أفق آخر السلسلة المفقودة ابحث في اسم الكاتب تاريخ النشر: 21/04/2014 التَّعْبير الشّائع عن الحَلَقة المَفْقودة في أيّ سياق سياسي مستعار من نظرية التطور لداروين، لكنه يعني أن هناك أسراراً لم يتم الكشف عنها تَحُولُ دون التَّحليل الدقيق لحدث ما، وبالطبع هناك ما يُسّمى الداروينية السياسية كما تخيلها مفكرون عِرْقيون لا يؤمنون بأن البشر كلهم من طين، وأن مِنْهُم مَنْ تسري في عروقه دماء زرقاء، وتلك نظرية نازية بامتياز . وحين نقرأ أهم المفاصل ونقاط التحول في تاريخنا العربي الحديث غالباً ما تعترضنا في الطريق حلقات مفقودة أو أفعال تنسب إلى مجهول . حدث ذلك في احتلال فلسطين عام 1948 بعد عودة الجيوش السّبعة بأعلام منكّسة، وتكرر عام 1967 في حزيران وفي ثغرة الدفرسوار في حرب رمضان عام ،1973 وأخيراً في العراق أثناء احتلاله والسقوط الدرامي السّريع للدولة . ما نخشاه هو أن المفقود ليس حلقة أو حتى حلقات، بل السِّلسلة كُلّها من ألِفها إلى يائِها، فالتاريخ على ما يبدو يتناوب على كتابته اثنان: مُنْتَصِرٌ يُمْلي على حاشيته وشهود الزّور من حوله، وَمَهْزوم يَرْفُضُ الاعتراف بهزيمته، أو على الأقل يرفض أن يتأقلم معها كأنها قضاء وقدر . المنتصر في أيّة حرب له من فائض القوة والنَّشْوة ما يدفعه إلى إعادة إنتاج الوقائع على هواه . لأنه كما يتصور ضامِنٌ للمصداقية ما دامت الأمور تُقاس أخيراً بنتائجها، لكنه لا يدرك أن لكل بطل، سواء كان من التاريخ أو من عالم الأساطير "عقب آخيل" الذي يكمن فيه ضَعفُه، بل هو مقتله في بعض الأحيان . وهذا ما عبّر عنه بوضوح شلومو رايخ الذي يوصف باليهودي العاقّ، عندما قال عن الصهيونية إنها تقفز من انتصار إلى انتصار باتجاه هزيمتها! وحين تغيب هذه الرؤية الجدلية للتاريخ يحلّ مكانها على الفور تصور أحاديّ البُعْد، وقاصر لأنه لا يرى ما وراء اللحظة التي يَعيشها . ما أعنيه بالسلسلة المفقودة هو السياق الشامل لتتابع الأحداث، ما دام هناك وثائق مَحجْورٌ عليها في المتحف البريطاني أو برامج إلكترونية من طراز "ويكليكس" بحيث يَبْدو ما هو جَوْفيّ وَسِّري أضعاف ما هو معلن، بحيث نضطر كل ثلاثين عاماً إلى إعادة قراءة المَقْروء لنتعرّف إلى حقائق كانت طيّ الكتْمان . والسلسلة المفقودة ليست مجرد مُتتالية من الأحداث، أي ليست الهيكل العظمي المرصود بالعين المجردة بل النخاع الكامن داخله، لذلك هناك أحداث فارقة ومفصلّية في تاريخنا الحديث، الظّاهر والمُدوَّن منها لا يزيد على الجزء الناتئ والطّافي من جبل الجليد . وَلَيْتَها كانت حلقة واحدة مفقودة يُبْطل العثور عليها ومعرفة السَّبب كل هذا العَجَب . إنها سلسلة مفقودة من المبتدأ إلى الخَبَر . خيري منصور الخليج الامارتية