أفق آخر أوهام الخلاص الفردي ابحث في اسم الكاتب تاريخ النشر: 01/03/2014 يجمع معظم المؤرخين وعلماء الاجتماع على أن الأمثال الشعبية ذات الدلالات السلبية والداعية إلى انسحاب الفرد من المجتمع وانكفائه على ذاته، هي من إفراز مراحل انحطاط لأنها تعبر عن ثقافة الخنوع والتسليم بالأمر الواقع على طريقة ليس بالإمكان أفضل مما كان . وبإمكان أي باحث عربي أن يرصد مئات الأمثال من هذا الطراز السلبي والتي تتلخص في نهاية المطاف في موعظة خرقاء . . هي البحث عن النجاة بأي ثمن، وقد يكون المثل الذي يجسد هذه الحال والذي غالباً ما يتكرر في ظروف الانحطاط هو انج سعد . . فقد هلك سعيد . . حتى لو كان سعيد أخاً توأماً! وهناك مثل نضطر إلى ذكره رغم ما نصاب به من تقزز وغثيان هو إذا جاء الطوفان ضع ابنك تحتك كي تطفو! فالحيوان لا يفعل ذلك، وكذلك الحشرات التي تذود عن جحورها وبيضها . والبحث عن الخلاص الفردي يبدأ اقتصادياً ثم يتحول إلى أمني وأخيراً إلى ديني، وهناك تحليل معمق للراحل د . عبدالوهاب المسيري عن الخلاص الفردي بالمفهوم الديني، يقول إن من يتبنون هذا الخلاص لا يهمهم الآخرون في أي شيء ويتصورون أن الطريق إلى الجنة مُعبّد بالأنانية الفردية . إن أحد أسباب التردي والانهيار هو هيمنة هذه الثقافة، بحيث تسود الأثرة على حساب الإيثار، لكن من قال أكلت يوم أكل الثور الأبيض قدم أطروحة مضادة لهذه الثقافة لأن الجميع في النهاية يدفعون الثمن خصوصاً حين يتعلق الخلاص الفردي بقضايا وطنية . ولحسن الحظ إن من قال ليأت بعدي الطوفان لم يكن عربياً لكن ما إن ترجم هذا القول حتى وجد من يتبنونه ولا يفكرون حتى بمصائر أحفادهم وبقبورهم التي لن تسلم من الطوفان الذي يجرفها . الخلاص الفردي يشترط على المرء أن ينسحب أولاً من السياق الاجتماعي الذي يعيش فيه، ثم يدرب نفسه على النجاة بمفرده، وقد لا يتردد في اقتراف جرائم وارتهان لأعداء وغزاة كي ينجو، وإن كان سيكتشف بعد فوات الأوان أنه حفر قبره بيديه وأن مثل هذه النجاة مجرد حلم يقظة . في تاريخنا العربي ثمة نماذج بشرية افتدت الآخرين بدمائها، لكن ما تراكم من غبار وإحباطات على هذه النماذج جعلها تبدو كما لو أنها من ابتكار الخيال، وبلغ اليأس بالبعض إلى أن يشككوا حتى بوجودها . ما من تاريخ كله موجات نهوض متعاقبة، وما من تاريخ أيضاً عكس ذلك، فثنائية الانتصار والانكسار قدر بشري، لكن هناك من يحولون الهزيمة إلى رافعة مقابل آخرين يفتخرون بالانتصار المؤقت، وهذا ما عبر عنه بدقة كاتب يهودي مضاد للصهيونية هو شلومو رايخ الذي قال إن "إسرائيل" تقفز من نصر إلى نصر نحو هزيمتها . ما يخيفنا هو هذا العزف المتواصل على وتر الخلاص الفردي في غياب ثقافة قومية تحذر الثيران الملونة من مصير الثور الأبيض . خيري منصور الخليج الامارتية