وقال رئيس مجلس الشورى الدكتور عبدالله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ: إن الإرهاب جريمة تستهدف الإفساد، وزعزعة الأمن، والجناية على الأنفس والأموال والممتلكات الخاصة والعامة، وقد صنفه بعض الفقهاء ضمن الجرائم التي يعاقب عليها الشرع بحد الحرابة، وإن كان الإرهاب بمفهومه أوسع نطاقًا وأخطر جرمًا من تلك الجرائم، قال تعالى: «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أن يُقَتَّلُوا أو يُصَلَّبُوا أو تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أو يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ». وهذا الفعل الإجرامي اتخذ في عصرنا الحاضر، أشكالًا وصورًا متعددة، منها الخطف والقتل، والتفجير، والاعتداء على الممتلكات العامة، وتعريض حياة الناس للخطر، بل ذهب إلى أبعد من ذلك حينما توجه إلى الفكر، فنشأ الإرهاب الفكري، المتمثل في الغلو والتطرف والتكفير. والمملكة العربية السعودية لم تكن في منأى عن الإرهاب، فهي تعيش وسط هذا العالم الذي عانى ويعاني من الإرهاب، فقد تعرضت هذه البلاد الطاهرة لعمليات إرهابية قام بها أرباب الفئة الضالة، وذوي الفكر المنحرف، إلا أنها بفضل من الله ثم ببصيرة وحكمة قيادتها الرشيدة، واجهت الإرهاب بحزم أمني، وتأصيل فكري يقوم على مبادئ شرعية نص عليها الكتاب والسنة، وعلى منهج السلف الصالح. فعلى مستوى المعالجة الأمنية سطّر رجال الأمن السعوديون إنجازات أمنية في التصدي لأعمال العنف والإرهاب ونجحوا بكل شجاعة وإتقان وإبداع بعد أن تشربوا عدالة القضية وشرف المعركة في حسم المواجهات الأمنية مع فئة البغي والضلال، بل سجل رجال الأمن إنجازات غير مسبوقة تمثلت في الضربات الاستباقية وإفشال أكثر من 95% من العمليات الإرهابية بفضل من الله ثم بفضل الاستراتيجية الأمنية التي وضعتها القيادات الأمنية، وحازت على تقدير العالم بأسره؛ كما سجلوا إنجازًا آخر تمثل في اختراق الدائرة الثانية لأصحاب الفكر الضال؛ وهم المتعاطفون والممولون للإرهاب الذين لا يقلون خطورة عن المنفذين للعمليات الإرهابية فتم القبض على الكثير منهم، وحققت تجربة المملكة العربية السعودية في مكافحة الإرهاب وكشف المخططات الإرهابية قبل تنفيذها تفوقًا غير مسبوق يسجل للمملكة العربية السعودية سبقت إليه دول متقدمة عديدة عانت من الإرهاب عقودًا طويلة. وبالتوازي مع المعالجة الأمنية لآفة الإرهاب، كانت هناك جهود على مستوى آخر لا يقل أهمية في مكافحة الإرهاب، تمثلت في تجفيف منابعه المالية والفكرية، حيث صدرت أوامر ملكية بتجريم تمويل الإرهاب، وكل من ينتمي لجماعات إرهابية، ولعل آخرها صدور الأمر الملكي الكريم القاضي بمعاقبة كل من شارك في أعمال قتالية خارج المملكة، أو الانتماء للتيارات أو الجماعات الدينية أو الفكرية المتطرفة، والبيان الصادر عن وزارة الداخلية المتوج بالموافقة السامية، الذي ترجم مضامين الأمر الملكي وغاياته، ترسيخًا للمنهج القويم الذي تسير عليه المملكة العربية السعودية القائم على كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. وامتدادًا لهذه الجهود، يأتي المؤتمر العالمي الثاني لمكافحة الإرهاب: «الإرهاب.. مراجعات فكرية وحلول عملية» الذي تنظمه الجامعة الإسلامية بالمدينةالمنورة برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله ورعاه– الذي يهدف إلى بناء استراتجية علمية برؤية إسلامية للمعالجة الفكرية للإرهاب، من خلال التعرف على نقاط القوة والضعف، وفرص النجاح والمخاطر المحيطة بكل مراجعة فكرية، أو جهد دعوي، أو مرئية أو آلية جديدة معززة لإعادة المنحرفين ودرء الخطر عن المستقيمين، وذلك بما يحقق الانتقال بالمعالجات الفكرية من مرحلة التنظير إلى التطبيق. صحيفة المدينة