حلم امرأة: أريد طفلاً «حرماني من الأطفال يعني حرماني من استمرار الحياة في ظل نظرة الزوج وعائلته، وربما المجتمع لي باعتباري شجرة لا فروع لها»؛ إنها زوجة عاقر تحكي ما تتعرَّض له من ألم نتيجة رزق إلهي، حسب تفسيرات الآية الكريمة: «ويجعل من يشاء عقيماً»، لكن لاتزال العقلية الشرقية تتمتع بكثير من عدم الفهم لحال هذه الزوجة التي لا ذنب لها في فقدان القدرة على الإنجاب، وقد كشفت الكثير من الدراسات الاجتماعية والنفسية الصادرة حديثاً أن الزوجة العاقر أكثر عرضة للإصابة بالأمراض النفسية نتيجة تعليقات أو مواقف الزوج، ما يؤدي بها إلى عدم الرغبة في الحياة، ويشير الباحثون إلى الطريقة المثلى للتعامل مع العاقرات لجعلهن أكثر تكيُّفاً مع هذا الحرمان.. عاقرات يروين تجاربهن الواقعية، والعلماء يعلِّقون مقدمين علاجاً للقضية. تقول «س.ع»، مهندسة، إنها تزوجت منذ 5 أعوام بزميل لها بعد قصة حب عنيفة، لكنها اكتشفت أنها لا تنجب، وأدى ذلك إلى توتر العلاقة الزوجية بينهما، خصوصاً مع إلحاح أهل زوجها بضرورة علاجها أو الزواج بأخرى، فأُصيبت بالغيرة الشديدة على زوجها وتملَّكها الشك في أنه سيتركها في أي لحظة ويتزوج غيرها. لعنة في حين وصفت «م.م»، مدرِّسة، عدم قدرتها على الإنجاب بأنها لعنة ونقمة من الله، وتتساءل: «ماذا فعلت من ذنب في حياتي لكي أحرم من هذا الأمر؟!»، تضيف أنها لجأت إلى الصلاة والعبادة ليل نهار بأن يرفع عنها الله هذه اللعنة ويمنحها طفلاً لتعود إليها الحياة. كما تروي «س.م»، ربّة منزل، تجربتها فتقول: «تزوجت منذ 6 سنوات وحدث خلالها الحمل أكثر من مرة، وكان الحمل يُجهض قبل أن يكتمل، وفي كل مرة أحاول الانتحار حيث ينتابني شعور شديد بانتهاء حياتي، ما أصابني بالاكتئاب وكرهت الحياة كلها، بينما يتمسك زوجي بي ويؤكد حبه سواء أنجبت أم لم أنجب، ما يخفف أحياناً آلامي بعض الوقت ثم تتجدد مشاعر الحزن مرة أخرى». ولا تخفي «ع.ع»، محاسبة، شعورها بالآلام عندما تلاحظ أن الأمهات من أقاربها وجيرانها يتخوفن من حسدها لأولادهن، وتؤكد حبها للأطفال حتى لو لم تنجب. بشائر الصبر أما تجربة «ل.ح»، حاصلة على دبلوم تجارة، فتحمل بشرى لكثير من الزوجات العاقرات وتقول: «تزوجت منذ 20 عاماً، وشاء الله ألا أنجب لمدة 8 سنوات، فتسلَّحت ضد مشاعر اليأس والاكتئاب بالإيمان بالله والرضا بقضائه، وقررت قطع رحلة العلاج، وفي يوم ما شعرت بالتعب والإرهاق، فذهبت إلى طبيب، فأكد لي أنني حامل، ولم أصدق هذا حتى أنجبت ابنتي الكبرى ثم أنجبت بعدها طفلين، وأنصح كل زوجة بالصبر وعدم تعجّل الإنجاب إلى أن يشاء الله». ويشير د. محمد حسين، أستاذ علم النفس، إلى أنه من خلال دراسة علمية أُجريت على 100 سيدة عاقر، تبين أن الزوجة تصاب بصدمة شديدة عند العلم بعدم قدرتها على الإنجاب، وتضطرب حالتها النفسية، وقد تُصاب بوسواس قهري وهذيان ثم تتحسن الحالة بعد 4 سنوات، ويلعب تمسك الزوج بزوجته دوراً مهماً في تحسن الحالة النفسية سريعاً، كما ينصح بعدم ذهاب الزوجين إلى الدجّالين حتى لا تسوء الحالة النفسية لهما بشكل أكبر. ويشير إلى أن كل ذي بلاء أفضل من غيره بكثير؛ لذا فالزوجة العاقر أفضل بكثير من مثيلاتها اللاتي لم يتزوجن، وخير من اللاتي تزوجن وأنجبن ثم فسد نتاجها أو ذهب أولادها في حادث أمام عينيها أو انقلب عليها أبناؤها بالنكران، وهذه هي النظرة التي تخفف ألم عدم القدرة على الإنجاب. وحول اكتئاب العاقر، يؤكد د. علي فهمي، أستاذ علم الاجتماع، أنه يعود إلى الاعتقاد الخاطئ الذي ساد بين الرجال في المجتمع العربي أن امتداد ذكراهم في الحياة بعد الوفاة يعني الاستمرارية للفرد في شكل الأولاد، وهذا الشعور يتفاقم لدى الزوجة العاقر فتتأثر سلبياً؛ حيث تعتبر عدم الإنجاب تقصيراً منها من وجهة نظر العقلية المتخلفة؛ ونظراً إلى عدم استقلال المرأة مادياً واجتماعياً في المجتمع العربي عن الرجل فإن الأزمة النفسية تتجاوز حد المعقول، فتصبح المرأة في هذه الحال لا شيء إلى جوار الرجل، فهي تستمد قوتها من الإنجاب، وإذا حُرمت منه فلا قيمة لها، والمرأة العربية تعتقد أن الأولاد هم الرابط القوي الذي سيربطها بزوجها إلى الأبد، وأنها إذا لم تستطع الإنجاب لأي سبب؛ فإنها تشعر بعدم الأمان خوفاً من ترك الزوج لها للزواج بأخرى قادرة على الإنجاب، فتصبح حياتها سلسلة غير منتهية من القلق والاضطراب الشديد، والذي يُترجم في صورة أمراض نفسية كالقلق المزمن والاكتئاب والوسواس القهري مع اضطراب في الحياة الزوجية، ما يسبب فجوة بين الزوجين، فيكره الزوج حياته مع زوجته ويكرهها أيضاً، وربما يصل الأمر إلى حد الطلاق، ليس بسبب العقم وإنما بسبب القلق النفسي الذي أصاب الزوجة وأدى لاضطراب العلاقة الزوجية بينها وبين زوجها، فكل هذه الأفكار الرجعية لابد أن تتغير لدى الرجل والمرأة؛ لكي يتمكنا من معالجة الأمر والتعامل معه بشكل طبيعي، ويصونا الأسرة من الضياع. أدوار مختلفة بدورها تؤكد د. عزة كريم، الخبيرة الاجتماعية بالمركز القومي للبحوث، أن للزوجة أدواراً مختلفة في حياتها مثل أن تكون زوجة، ثم أماً ثم امرأة عاملة، ولكنها تنصح كل امرأة حُرمت من الإنجاب بأن يكون دورها متمثلاً في كونها زوجة تمنح الزوج الكثير من الحب والحنان والمودة، وأن تحاول أن تجدد حياتها معه بالخروج إلى التنزه، وتجديد العلاقة بالكثير من الصديقات القديمات، والاهتمام بتجميل بيتها ثم يأتي دورها كامرأة عاملة تهتم بعملها وتخلص له، محاولة تحقيق ذاتها فيه. وتضيف: إن سبب قلق الزوجة من عدم الإنجاب هو نظرتها للمستقبل ومَن يعتني بها عند الكبر، ويمكن تفادي ذلك برعاية طفل من أطفال الأقارب، وعلى أقارب الزوجين عدم الإلحاح على الزوجين بالذهاب للطبيب حتى لا ينتقل قلقهم إلى الزوجين، وليعلم الجميع أن لكل فرد منا نعماً أنعم الله بها عليه، فقد قسّم الله نعمه على عباده بالعدل، فهذه زوجة صالحة وجميلة وأم، وهذه عاقر وجميلة وثرية، وتلك أم جميلة وفقيرة وهكذا، ولا يعلم هذه الحكمة إلا الله، ويجب على الزوجين الرضا والاعتراف بحكم الله دون الكفر بأنعم الله بالسؤال الدائم «ولماذا لم ينعم الله بنعم أخرى علينا؟». ويشير المفكر الإسلامي د. عبدالصبور شاهين إلى أن على الزوجة أن تعلم أن الإنجاب هبة من الله وليس تمييزاً لزوجة عن أخرى، فالله لا يفضل إنساناً على إنسانٍ إلا بالتقوى، مشيراً إلى أن الإنجاب يعد مسؤولية تُفرض على البعض وتُنزع من البعض، وهذا ما نجده في الآية الكريمة: «يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذُكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً». ويضيف: فلتنظر العاقر إلى الأم التي فقدت ابنها في حادث، ولتسأل نفسها أيهما أكثر بؤساً العاقر أم الأم التي فقدت فلذة كبدها بعد أن كابدت الكثير من المشقة حتى صار شاباً بالغاً أو فتاة جميلة، وعليها أن تقتنع بما أعطاها الله لها وترضى به لتشعر بالراحة والسعادة والطمأنينة؛ لأن الله قد يرزقها بزوج طيب وصالح أو ثروة كبيرة أو جمال لا تنعم به امرأة أخرى، فالرضا بالقليل جزء من التقوى. البيان الاماراتية