منذ اللحظة الأولى لولادة جنوب السودان كدولة مستقلة في 2011، شكل بقاؤها واستمرارها تحدياً كبيراً وخطيراً لشعبهاً وقيادته. وزاد من خطورة هذا التحدي وصعوبته تصرفات رئيس جنوب السودان سيلفا كير ميارديت، ونائبه السابق زعيم التمرد المعارض له رياك مشار. وبلغت الخلافات والتوترات بين الرجلين ذروتها بانفجار القتال بينهما في ديسمبر الماضي، لتتحول البلاد إلى ساحة للقتل الجماعي، حيث راح الآلاف ضحية للاقتتال. وفي مؤشر إلى ما وصلت إليه الأمور من تفاقم وتردٍّ قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إنها ستأخذ على عاتقها توصيل وتوزيع المواد الغذائية، وغيرها من المساعدات الإنسانية الضرورية الأخرى في مناطق جنوب السودان لأول مرة منذ عقدين، لمساعدة الأسر في المناطق النائية ومخيمات الإيواء المؤقتة. وقد زادت الأمطار الموسمية الغزيرة من صعوبة الوضع الإنساني وتعقيد جهود توزيع المساعدات من خلال الطرق والأنهار، بينما أدت خمسة أشهر من المعارك والاشتباكات إلى تشريد أكثر من مليون شخص، منهم 300 ألف عبروا الحدود إلى إثيوبيا وأوغندا وشمال السودان وكينيا. كما أصبح أكثر من نصف سكان جنوب السودان البالغ عددهم 4,9 ملايين نسمة بحاجة إلى المساعدات الغذائية والإنسانية، وتم توزيع أكثر من 80 ألفاً آخرين على مراكز إيواء مؤقتة، ما دفع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى التحذير من أن جنوب السودان يواجه مجاعة كارثية، ووزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى التحذير من مخاطر عمليات إبادة جماعية. ونشب الصراع بين رئيس جنوب السودان ومشار يوم 15 ديسمبر عندما اتهم سلفا كير نائبه السابق بتدبير محاولة انقلاب، وهو ما نفاه مشار. كما دعا كي مون إلى تشكيل محكمة خاصة للنظر في ما سماه «الجرائم ضد الإنسانية» في جنوب السودان، وقال إن هناك أسباباً وجيهة للاعتقاد بأنه تم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية منذ بدء الصراع المسلح قبل خمسة أشهر. من جانبها، قالت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، فاليري آموس، إن تدهور الأوضاع الإنسانية بشكل خطير أمر يثير القلق، وإن انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان قد تمت في مدن عدة، وإن هجمات لمسلحين استهدفت المستشفيات والمدارس والكنائس وأماكن العبادة. وعلى الرغم من موقفها المتوازن وغير المنحاز شكلياً من الصراع في الجنوب، فإن الخرطوم تبدي تأييداً واضحاً للرئيس كير طمعاً في ضمان استمرار تدفق نفط الجنوب عبر شمال السودان. وقد وصف وزير خارجية جنوب السودان برنابا بنجامين ماريال، العلاقات بين بلاده والخرطوم بأنها متطورة، ونفى وجود أي أزمة بينهما، مشدداً على أن استقرار الجنوب استقرار للسودان والمنطقة. ونتيجة لتدخل ووساطة كيري وكي مون وقع سلفا كير ومشار في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا على اتفاق لوقف إطلاق النار يسمح بمرور وتوصيل المساعدات الإنسانية العاجلة وتوزيعها، لكن الاتفاق مازال يبدو هشاً للغاية، ما يثير الحاجة إلى مزيد من المحادثات بين الطرفين لترسيخه وتثبيته، وتشكيل حكومة مرحلية مؤقتة، كما يتعين على مجلس الأمن الدولي المبادرة إلى سرعة التحرك لتعزيز مهمة قوة حفظ السلام، وتوسيع نطاق عملها في جنوب السودان. وفي محاولة منها لضبط الأمور بين الطرفين المتنازعين وحملهما على الالتزام بوقف إطلاق النار، كثفت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما ضغطها على الطرفين للتوقف عن انتهاكات حقوق الإنسان، والالتزام الجاد بوقف إطلاق النار. كما عمدت إلى تجميد الأصول المالية لعدد من مساعدي سلفا كير ومشار في الولاياتالمتحدة، وهددتهما بتوسيع قائمة المسؤولين والمستشارين الذين تشملهم العقوبات. ويقول خبراء إنه في الوقت الذي يعرض فيه سلفا كير ومشار ملايين المدنيين لخطر القتل والفوضى الأمنية، فإن أسرتيهما بما لديهما من الأصول والممتلكات الخاصة تعيشان في أمن وهدوء في دول مجاورة لجنوب السودان. الامارات اليوم