بعد مرور أقل من 48 ساعة علي اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب السودان تبادلت القوات الحكومية والمتمردون اليوم الأحد الاتهامات بانتهاك الاتفاق الذي تم التوقيع عليه بين الرئيس سلفا كير وغريمه زعيم التمرد ريك مشار في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا. وهذه الاتهامات المتبادلة بين الجانبين يعتقد أنها ستثير استياء الوسطاء الدوليين الذين ضغطوا عليهما لوقف الصراع. وصرح فيليب أقوير المتحدث باسم الجيش اليوم أن قواته هوجمت في ولاية الوحدة المنتجة للنفط كما وقع هجوم آخر قرب بلدة بانتيو. فيما تحدث لول رواي كوانج المتحدث باسم قوات المتمردين من جهته عن انتهاكات من جانب الجيش في ولايتي الوحدة وأعالي النيل. ولم يصدر تعليق فوري من مسؤول من بعثة الأممالمتحدة في جنوب السودان عن وجود أي انتهاكات. وضغط وسطاء أفارقة والولاياتالمتحدة ودول غربية أخرى من أجل إجراء محادثات مباشرة مع إحتدام القتال بين قبيلة الدنكا التي ينتمي لها كير وقبيلة النوير التي ينتمي لها مشار. واستجاب كير ونائبه السابق مشار واللذان تتحارب قواتهما منذ منتصف ديسمبر الماضي، الجمعة في أديس أبابا للضغوط الدولية المكثفة لإنهاء القتال بين طرفي النزاع الذي رافقته تحذيرات دولية من حصول إبادة جماعية ومجاعة. ووقع الطرفان اتفاقا لوقف اطلاق النار مساء الجمعة وكان من المفترض أن يتوقف القتال بعد أربع وعشرين ساعة من التوقيع عليه. وشهد هذا الاتفاق اللقاء المباشر الأول بين كير ومشار منذ اندلاع الصراع في منتصف ديسمبر الماضي. واتفق الطرفان ايضا على أن تشكيل حكومة انتقالية يوفر "أفضل فرصة" لقيادة البلاد نحو الانتخابات التي تجرى العام القادم رغم عدم وجود قرار فوري بشأن من سيكون ضمن تلك الحكومة المؤقتة. ويدعو الاتفاق الذي وقعه أيضا رئيس الوزراء الإثيوبي هيلا مريم ديسالين الراعي للقاء الجانبين، إلى وقف فوري للأعمال العدائية والقتالية وإنشاء رئاسة مؤقتة. كما ينص الاتفاق على "فتح ممرات إنسانية والتعاون مع الوكالات الإنسانية والأممالمتحدة بغية إيصال المساعدات الإنسانية إلى كل المناطق في جنوب السودان". ويأتي تبادل الاتهامات بين طرفي النزاع فيما تستعد الأممالمتحدة اليوم السبت لنقل مساعدات لبلدات دمرها الصراع في جنوب السودان لكنها تنتظر لترى إن كان اتفاق وقف إطلاق النار بين كير ومشار سيصمد قبل أن تبدأ في إرسالها. وشهدت بانتيو عاصمة ولاية الوحدة وملكال عاصمة ولاية أعالي النيل وهما ولايتان منتجتان للنفط بعضا من أشد المعارك ضراوة. وقال مسؤولون بالأممالمتحدة إنه لم ترد تقارير فورية عن أي معارك اليوم السبت رغم أن ورود أي أنباء عن وقوع اشتباكات قد يستغرق وقتا في المناطق النائية. وقال مسؤول في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أن الامدادات سترسل عندما يتضح أن الجانبين يلتزمان بإتفاق وقف إطلاق النار الذي من المفترض أن يطبق خلال 24 ساعة من توقيعه يوم الجمعة وقال توبي لانزر منسق الأممالمتحدة للشؤون الإنسانية في جنوب السودان في بيان "إنتهاء العنف سيتيح للناس متنفسا ومساحة للتحرك بقدر أكبر من الأمان والزراعة والإعتناء بأنفسهم بقدر أكبر في الشهور المقبلة." وأضاف أن الأممالمتحدة تستعد في العاصمة جوبا "لتحميل مراكب ضخمة بمساعدات لإنقاذ الحياة ونقلها لمناطق حيوية مثل بانتيو وملكال." وأعتبر وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في بيان الجمعة أن "اتفاق اليوم على وقف القتال فورا في جنوب السودان والتفاوض على تشكيل حكومة انتقالية يمكن أن يمثل "انفراجة لمستقبل جنوب السودان". وانهار بسرعة إتفاق سابق أبرم في يناير الماضي وإتهم كل طرف الآخر بالمسؤولية عن القتال الذي أدى لتفاقم التوترات العميقة بين قبيلة الدنكا التي ينتمي إليها كير وقبيلة النوير التي ينتمي إليها مشار. واقال سالفا كير مشار في يوليو 2013 وسط منافسة محتدمة بينهما على رأس الحزب الحاكم لكن مشار قاد بعد ذلك حركة تمرد بعدما اتهمه رئيس الدولة بمحاولة القيام بانقلاب عندما اندلعت معارك في منتصف ديسمبر داخل جيش جنوب السودان بين الفريقين المواليين لهما. وكان جنوب السودان يأمل عند استقلاله في طي صفحة واحدة من اطول واكثر الحروب دموية في افريقيا جرت من 1983 الى 2005 بين الخرطوم وحركة التمرد الجنوبية التي باتت تحكم في جوبا. لكن النزاع الجديد الذي اندلع في ديسمبر الماضي اودى بحياة الآلاف ان لم يكن عشرات الآلاف من الاشخاص ودفع اكثر من 1,2 مليون شخص الى النزوح. ورأت الأممالمتحدة أن طرفي النزاع ضالعان بمجازر تسببت بالهلع والتشريد للسكان. إذ كشفت المنافسة السياسية بين كير ومشار عن عداوات قديمة بين قبيلتي الدينكا والنوير اللتين ينتميان اليهما. ويتعرض سالفا كير ورياك مشار لضغوط دبلوماسية كبيرة بينما عبرت واشنطن والامم المتحدة عن قلقهما من خطر وقوع "ابادة" و"مجاعة". وتحدثت البعثة المحلية للأمم المتحدة الخميس عن مؤشرات جدية الى "جرائم ضد الانسانية" ارتكبها الجانبان، واحصت فظائع رات فيها المفوضة العليا للأمم المتحدة لحقوق الانسان نافي بيلاي الجمعة "مؤشرات عديدة لإبادة". واعتبرت منظمة العفو الدولية في تقرير اخير لها "كلما طال امد الخصومات العرقية وتعمقت، كلما تفتت جنوب السودان ما يجعل من تحقيق المصالحة والسلام اكثر صعوبة". وتحذر وكالات الإغاثة من أن جنوب السودان الآن "على شفا أسوأ مجاعة في إفريقيا منذ الثمانينات". وحث توبي لانزير، رئيس بعثة الأممالمتحدة في جنوب السودان، طرفي الصراع على فتح الطرق أمام قوافل الشاحنات والأنهار أمام القوارب الصغيرة التي تحمل المساعدات الإنسانية. وفرضت الولاياتالمتحدة في وقت سابق عقوبات على قائدين من طرفي الصراع في مؤشر على تزايد شعورها بالاحباط من زعماء جنوب السودان الذي ساعدته واشنطن على كسب استقلاله. وهدد الاتحاد الأوروبي الجمعة ايضا بفرض عقوبات على أي شخص يعرقل جهود السلام. وخلف الصراع في دولة جنوب السودان، التي انفصلت عن السودان عام 2011، آلاف القتلى، وأجبر نحو مليون شخص على ترك منازلهم.