الخميس 12 يونيو 2014 03:19 صباحاً بغداد((عدن الغد))إيلاف: عبدالجبار العتابي طالما تحيرنا سلوكيات الشعراء الحياتية، وطالما تدهشنا نصوصه الابداعية وقصائده، ننظر الى وجهه ونتأمل ملامحه وحركاته وتصرفاته ومن ثم نعاين افكاره المصاغة شعرا، فعند الكثيرين هي.. لا تتشابه. تتباين آراء الكثيرين حول قضية يشير اليها حول إبداع الشاعر من جهة وانحرافه السلوكي من جهة اخرى، فهناك من يرى ان الامر طبيعيا، مبررين ذلك ان الشعر عالم اخر فيه الشاعر ينسلخ عن حياته او محيطه او ما يدور حوله، فيما يشير البعض الى ان تلك هي امراض او ازمات نفسية، ومن السهل على الشاعر ان يعيش سلوكين متناقضين في آن واحد وكأنما حين يكتب الشعر يذهب في غيبوبة فيرسم ابداعات جميلة وملامح وما ان يصحو منها حتى يعود الى سلوكه الذي ينفر منه او يرفضه الكثيرون، لكن احدى الشاعرات اكدت ان هذه التناقضات. غلوم: ينسلخ عن مجتمعه فقد اكد الشاعر جواد كاظم غلوم ان كثيرا ما يخرج الشاعر عن كينونته ويصير مخلوقا اخر غير ما نألف عنه وقال: الشاعر انسان اولا واخرا ينسلخ احيانا عن مجتمعه ويعيش عالما اخر غير مانعتاده وهذه الفسحة خارج اطار حياته العادية قد يهيج ويغيب وينطوي ولكنه يعود لسابق وضعه انسانا يلاعب اسرته ويضحك مع هذا وذاك ويواسي حزينا ويبتهج مع صديق سعيد لكن عالمه الشعري خاص به ولايقربه احد..، هذا مااتصوره. القاصد: الشاعر لايشبه شعره اما الشاعر الدكتور حسين القاصد فقال: فليس شرطا ان يشبه سلوكه لأن الشعر على الاغلب يمثل المسكوت عنه في سلوك الشاعر او النسق المضمر كما يطلق عليه في النقد الثقافي.. لذلك ترى الشاعر المتدين يميل للخمر في شعره وترى الشاعر العلماني يميل للدين في شعره، فالشعر نشاط تخييلي اداته اللغة والتخييل هو تصوير للصورة التي يهرب اليها الشاعر من الواقع.. واضاف: لذلك نرى غزليات وخمريات الحبوبي وهو رجل دين، ونجد عند كزار حنتوش ميلا للدين في بعض شعره، لذا وبعيدا عمن يدعي التصعلك فالشاعر ليس شرطا ان يشبه شعره الساعدي: أزمات نفسية من جانبه اكد الشاعر الدكتور عارف الساعدي انها ازمات نفسي وعقد تاريخية، وقال: واحدة من الامور المحيرة والملغزة وهي الربط بين الشاعر وسلوكه فلم يحسم الامر فيها إذ نجد شعراء كباراً ومهمين على مستوى الشعر وتقنياته ولكنهم على المستوى الانساني في غاية التدني والانحطاط ومن الممكن عكس الامر ايضا وفي نفس الوقت نجد شعراء مهمين فنيا وهم ايضا على مستوى عال من الخلق والانسانية اما الامراض التي نجدها عند الشعراء فهذه عقد تاريخية وأزمات نفسية لان بصراحة ان تكون شاعرا فهذا ليس منة على الآخرين وان تكون مبدعا كبيرا لايعني ان الناس يجب ان تدين لك. واضاف: ولكني كنت أسمع من بعض الشعراء الكبار العراقيين او العرب الذين حظيت برفقتهم يقولون كيف يمكن لنفس لئيمة وغير نبيلة ان تكتب شعرا ذا طابع إنساني يتجاوز الحدود الانسانية ويعبر عن مشاعر الآخرين فليحة: الشاعر يعيش حياتين الى ذلك قالت الشاعرة فليحة حسن: يرى بعض دارسي السلوك إن الإبداع هو ميل في الإنسان ليحقق ذاته ويستغل أقصى إمكاناته وعندما ينفتح ذهن الإنسان أمام خبراته كافة يصبح سلوكه سلوكا إبداعيا، من هنا اعتقد إن المبدع بعامة والشاعر بصورة خاصة يعيش سلوكين متغايرين الأول سلوكه الذي يبدو عليه ظاهرا ويعيش به أمام الناس والذي قد يرتدي فيه صفة أو صفات هي ليست فيه بل تفرضها عليه سلوكيات ذلك المجتمع المعيش،والثاني هو سلوكه الخاص الذي يحاول أن يجسده على الورق شعراً والذي هو أكثر جرأة وتحرراً قد يصل الى حد الجنون،والأمر هذا لا يعاب على الشاعر لأنه ببساطة لا يستطيع أن يعيش جنون كتاباته بل يكتب جنونه. واضافت: الأمر الذي يجعلنا أحياناً نصاب بالدهشة حين نتعرف أول مرة على شاعر ذاع صيته في الأرجاء لأننا قد نجد الفارق الكبير بين سلوكه كإنسان وسلوكه كمبدع، فعلى سبيل المثال لا الحصر حين التقيتُ بالشاعر المبهر محمود درويش أول مرة أصابتني الدهشة لسلوكه كونه كان قلقاً لا يستقر في جلسته على حال مما أثار في بالي تساؤل مفاده كيف يستطيع هذا الشاعر القلق سلوكاً ان يبدع مطلولات شعرية تتطلب من متلقيها ان يبذل وقتاً واستقراراً كي تصل له معانيها ؟كون السلوك القلق كثيراً ما يؤدي الى الاختصار والاكتفاء بكتابة المقطوعات الشعرية الموجزة، وحين قرأتُ المجموعة الشعرية الكبيرة (عبر الحائط في المرآة ) للشاعر العراقي المهم جداً الأستاذ حسب الشيخ جعفر تمنيت لو أنني أتعرف على روحه الصاخبة بكل شيء المحتدمة بغرابة الأشياء وبواطنها، غير أني حين التقيته وجهاً لوجه لم أجد غير إنسان يفعم بالطيبة والبساطة غير المتناهية، إنسان تحب أن تغترف من هدوء كلامه ورقة معشره وكأن ذلك الذي قرأته له خطً بأنامل لا تنتمي له،والأمر نفسه حدث لي حين التقيتُ بالشاعر الحقيقي (محمد الفيتوري) فقد ابهرني بطيبته التي تفارقتْ تماماً عن صهيل قوافيه المتمردة. وتابعت: من هنا يبدو لي ان الشاعر يعيش حياتين الأولى عادية كما يعيشها العامة من البشر بحلاوتها ومرارتها ولكن بهدوء نسبي، والأخرى حياة أكثر صدقاً وألماً ومعاناة، حياة يطلق بها السراح لسلوك دفين لازم روحه الكبيرة فتتمرد على وجه صفحات ورق مصنوع له و من اجله وحده ليكتب ما عجز عن قوله الآخرين من بني جنسه وختمت حديثها بالقول: الشاعر قبل كل شيء انسان ويحصل معه ما يحصل لكل الناس لذلك كثيرا ما يتصرف بطريقة تشبه الناس العاديين وهذا هو السلوك الطبيعي... لكن السلوك الابداعي يختلف لانه يمثل حالة من الانفعال والتامل والشرود. رسمية: يثير فضول الآخرين فيما قالت الشاعرة رسمية زاير: الشعر هو الرقي بالشعور والمخيلة الى مديات أرحب وقديما يوصف الإنسان الرومانسي الحالم والذي رقت أخلاقه وطابت سريرته بإنه شاعر. فكيف يكون الإنسان الشاعر إنسان سيء الخلق هذه مغالطة كبيرة مع إنها تنطبق على البعض الذي يرى في الإنحراف وسوء التصرف والشذوذ وما إليها من الصفات يرون في ذلك ما يكمل شخصية الشاعر أو الكاتب فهو أحيانا إن لم يأت بمنجز يثير فضول الآخرين تراه يعمد الى تصرفات صبيانية بقصد لفت الإنتباه وتحريك المياه الراكدة وقد يتخذ ذلك السلوك صورا كثيرة في الشكل والملبس وغيرها،وقد تنطوي بعض الشخصيات الأدبية المعتدلة أيضا على خبث وسوء نية وإختلاف بين منجزها الإبداعي وتكوينها الخلقي مما يؤدي الى تلف المنجز مهما كان،وهذا يعني إن سلوك الشاعر لا ينفصل عن تجربته الإبداعية.. واضافت:إن الكثير من الأدباء الذين كنت أقرأ لهم بإهتمام وحين صادف أن ألتقيت بهم, حدث ما لم يكن بالحسبان وتمنيت لو لم يتم هذا اللقاء الذي هز صورة الشاعر لدي، فقد تحدث الصدمة عينها حين نلتقي بكاتب نحبه ولكن هناك فرق شاسع بين ما يكتبه وما هو عليه في الحقيقة وعندها يشعر القارىء انه خدع وإن عليه أن يعيد الكثير من حساباته فيما يقرأ إن مهمة الكاتب أحيانا هي النجاح في مهمته خارج أي عرف إخلاقي، حين تقرأ قصيدة تتغنى بالأخلاق الفاضلة في الوقت الذي لا يلتزم كاتبها بواحدة من تلك الإخلاق عندها يكون مهرجا لا شاعرا، لذلك تبقى الأعمال العظيمة هي تلك التي تركها أصحابها ومضوا إذ من المستحيل أن نتصور تولستوي أو مكسيم غوركي أوبرنارد شو منحرفين إخلاقيا وتابعت: من جانب آخر ما زلت مبهورة بقصائد رامبو رغم كل ما يقال عنه فقد كان شاعرا حقيقيا وهذا وحده كاف ليشفع له ,لكن أن أقابل شخصية مستهترة تدعي الشعر فتلك هي الكارثة لأن مهمة الأدب تقتضي إحترام القيم الأخرى وتبجيلها والذود عنها والعمل على ألقها وتقوية جاذبيتها ,لا أن يصاب الأديب بالغرور وتفتك به آفة التعالي وسوء الخلق قال ستانسلافسكي لأحد الممثلين عنده مثل بشكل جيد مثل بشكل سيء هذا لا يهمني ما يهمني أن تمثل بصدق. سمرقند: الا.. الشاعرات اما الشاعرة سمرقند الجابري فقد اكدت ان الشاعرات يختلفن، وقالت: سنوات جميلة قضيتها الوسط الادبي، قبل ان اكون شاعرة كنت محبة للتواجد في الاوساط المهرجانات والاحتفالات واميل لمعرفة ما هو اكثر من القصيدة ( شخصية الشاعر نفسه ) مع الوقت اكتشفت ان هناك نسبة كبيرة من الادباء يختلفون تماما عما تظهره قصائده من حب وعاطفة وتمدن، حتى في اظهار مشاعره للمرأة هناك فاصل كبير بين الشاعر ف القصيدة وعلى ما هو على الحياة العامة وامام اصدقائه من الادباء او الاصدقاء العاديين، فقد يكون عدوانيا او متعاليا او كذوبا الى ما غير ذلك – لا اقصد الكل بل اغلب من رأيتهم – ولكنني وعلى معرفتي بالشاعرات ارى انها هي ذاتها في قصيدتها وعلى الحياة العامة بنفس الدفء واللطف والرقة والحساسية والعذوبة، ربما هي ضغوط الحياة على الرجل فلا يجد نفسه الحقيقية المرتجاة إلا في القصيدة فلا بد غالبا ايجاد شخصية مغايرة للتعامل مع واقع مرير متناقض ليخلق تلك الشخصية. صلاح حسن: مانخوليا! وقال الشاعر صلاح حسن: اثناء الكتابة او لنقل عملية الكتابة يختلف سلوكه بشكل مؤقت بسبب الحالة الانفعالية التي يعيشها، وبعد الانتهاء من الكتابة يعود الى ما كان عليه حاله حال الاخرين، اما ما يقوم به بعض الشعراء كالصعاليك مثلا فهو حالة شبه مرضية او مرض اجتماعي يتصاعد بشكل كبير بعد تصاعد حالات الرفض والتمرد واضاف: هناك حالة خاصة تجعل الشاعر يتصرف بطريقة مغايرة عن تصرفه العادي حينما يكون مصابا بالكآبة الخلاقة المانخوليا وهي تصيب الكثير من المبدعين الكبار لكنها غير مرضية ويعود لها الفضل في انتاج الاعمال العظيمة الجبوري: كثيرون هكذا! مسك الختام كان مع الناقد زهير الجبوري الذي اكد ان هناك الكثيرين ممن يتصفون بهذه السلوكيات المتناقضة، وقال: لابد للانسان الذي يمتلك موهبة الشعر ان يعي مسؤولية ما يقدمه وما يحمله من عنونة حساسة، ولأننا دائما نمسك بيد الشاعر على انه صاحب خيال ويبحث من خلال ما بقدمه عن اشياء يبكرها في ذهنه، ومن ثم يقوم على على صياغة نصية/ لغوية ملائمة، فإن ذلك يعطيه حساسية حذرة في خياره وفي انتمائه الشعري، بمعنى اننا حين نقرأ نصا شعريا بلغة عالية، لابد ان يكون هذا النص يحمل ادوات النضوج الكاملة، والشاعر في حقيقته انسان مبتكر، ومن خلال ابتكاراته يشعر انه منفرد عن غيره من البشر في صناعة نص بمواصفات عالية، وحين يشعر انه نجح في ذلك عليه ان يدرك ان الانفتاح والشعور بخرق اللغة عن طريق ادوات تجريبية، ذلك لا يعني ان السلوك يكون خارج عن حدود المألوف، فالمألوف في يومياتنا هو السلوك المعروف لدينا، لكن خرق هذا المألوف لا يعني الانحراف في اتخاذ العبارات الرذيلة وغير المقبولة، لكن في النص الادبي هناك نوافذ الانزياح والمجاز وباقي الاستعارات والتشبيهات، توظف تحت شروط القصيدة،وحين يسلك الشاعر تمردات غير متوافقة مع السلوكيات، او لا تجد الارضية الخصبة والقبول، فإن ذلك يرجع عكسيا عليه. واضاف: الشاعر ابن الواقع، بل مرآة المجتمع، لذا عليه ان يدرك حساسية سلوكه ورغبة الآخر/ المتلقي في تقبله، وإن كانت تحمل مواقف في من السخرية والظرافة، وما الى ذلك.. ككل، النزوح نحو القصيدة الحقة يرادفها السلوك المتوافق عدن الغد