فرنسا: أزمة داخل أكبر أحزاب اليمين بسبب صراع حول الزعامة واتهامات بالتزوير الجزائر 'القدس العربي': يعيش حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية الذي كان يتزعمه الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي أزمة حقيقية، قلما شهدت الساحة السياسية في فرنسا مثلها، صراعات على الزعامة واتهامات بالتزوير والتلاعب بأصوات الناخبين، وتهديدات باللجوء إلى القضاء، ما يذكرنا بما يحدث عادة في بلداننا العربية، وهي فرصة انقض عليها كثيرون في الجزائر ليرقصوا طربا على رأي 'وزور شاهد من أهلها'. لو غيرنا الأسماء والتواريخ لاعتقد الكثيرون أن هذا المسلسل 'المكسيكي' أو 'التركي' يحدث في إحدى الدول العربية، والقصة وما فيها أن خسارة الرئيس نيكولا ساركوزي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة أمام منافسه الاشتراكي فرانسوا هولاند، جعلت ساركوزي ينسحب من تسيير حزبه، ويترك المجال للمتنافسين على قيادة هذا الحزب، لأن تزعم الاتحاد يفتح لصاحبه فرصة الترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة، التي يريد اليمين أن يعود من خلالها إلى السلطة في فرنسا. وفي إطار الحرص على ضمان انتقال السلطة داخل الحزب في ظروف ديمقراطية قرر الاتحاد من أجل حركة شعبية أن ينظم انتخابات داخلية من تحديد الرئيس الجديد للحزب، وتقدم لهذه المنافسة شخصان، الأول هو فرانسوا كوبي النائب بالبرلمان الفرنسي والأمين العام للحزب، وأحد أكثر الأوفياء لنيكولا ساركوزي، والذي لم يخف يوما طموحه في الوصول إلى قصر الإليزيه، وبخسارة ساركوزي في الانتخابات، وانسحابه من الحياة السياسية، على الأقل مؤقتا، فإن كوبي رأى أن فرصته قد حانت، وأن قدره قد ضرب له موعدا. ودخل المنافسة إلى جانبه فرانسوا فيون، رئيس الحكومة طوال فترة رئاسة نيكولا ساركوزي، وعلى الرغم من أنه كان يبدو صاحب شخصية ضعيفة أمام ساركوزي، إلا أن العمل الذي قام به أكسبه شعبية تتجاوز في أحيان كثيرة شعبية ساركوزي، وبالتالي بعد انسحاب هذا الأخير من الواجهة، فإن فيون يرى في نفسه الخليفة الطبيعي الغاية تبرر الوسيلة شرارة الأزمة بدأت في 18 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، عندما تم استدعاء حوالى 300 ألف من أعضاء الحزب للإدلاء بأصواتهم في انتخابات داخلية، للاختيار بين جان فرانسوا كوبي وفرانسوا فيون لرئاسة الحزب لمدة ثلاث سنوات، وسارع كوبي لإعلان نفسه فائزا بالانتخابات، وذلك قبل أن تقول لجنة مراقبة العمليات الانتخابية كلمتها، كما أعلن فيون نفسه أيضا فائزا بنتيجة الانتخابات. وفي اليوم التالي اللجنة تؤكد فوز كوبي بنسبة 50,03 بالمائة، أي ما يعادل 98 صوتا إضافيا على ما حصل عليه فرانسوا فيون، في حين أن هذا الأخير اعترف بالهزيمة، غير أنه يوم الأربعاء 21 نوفمبر/ تشرين الثاني عاد فيون ليؤكد أنه هو الفائز، وأن اللجنة أهملت احتساب أصوات الفيدراليات المتواجدة في الجزر الفرنسية ما وراء البحار، وهدد فيون باللجوء إلى القضاء، وهي سابقة في الممارسة الحزبية في فرنسا، وهذا التهديد اعتبر بمثابة كارثة من طرف الكثيرين. وأمام تدهور الأوضاع سارع القيادي والوزير السابق آلان جوبيه للإعلان عن وساطة بين الرجلين والفريقين، لكن كوبي رفض هذه الوساطة، مع التأكيد أنه سيلجأ إلى لجنة الطعون، أما لجنة مراقبة العمليات الانتخابية فقد اعترفت بخطئها وعدم احتسابها للأوراق الانتخابية التي تحدث عنها فيون، ورغم محاولات آلان جوبيه التوفيق بين الطرفين، إلا أنه فشل في الوساطة التي قام بها، واعترف بذلك في يوم 25 من الشهر الماضي. وأمام تأزم الوضع ارتفعت أصوات مطالبة نيكولا ساركوزي، إما بالعودة لقيادة الحزب، أو التدخل لوضع حد للأزمة التي قسمت الاتحاد إلى فريقين متصارعين، لذا ففي يوم 26 من الشهر نفسه دخل ساركوزي إلى الحلبة وتناول وجبة غداء مع فرانسوا فيون، من أجل إقناعه بالعدول عن التصعيد، وتفادى الذهاب إلى القضاء، في حين أنه في نفس اليوم أعلنت لجنة الطعون بأن كوبي هو الفائز بعد أن تقدم على منافسه ب952 صوتا، في حين أنه في اليوم التالي أعلن فيون عن تأسيس مجموعة برلمانية لجمع شمل الحزب، مع التأكيد أن هذه المجموعة سيتم حلها في حال ما إذا أعيدت الانتخابات على رئاسة الاتحاد. وفي نفس اليوم وفي لقاء بين جان فرانسوا كوبي وفرانسوا فيون ، والذي تم باقتراح من طرف نيكولا ساركوزي، اقترح كوبي تنظيم استفتاء داخل الحزب بخصوص إعادة تنظيم الانتخابات من عدمها، إلا أنه عاد في اليوم التالي أي 28 تشرين الثاني (نوفمبر) ليتراجع عن هذا الاقتراح، بدعوى أن الجريدة الرسمية نشرت الإعلان الخاص بالمجموعة البرلمانية التي شكلها فيون، ووجه تهديدا لهذا الأخير بحل هذه المجموعة، قبل الساعة الثالثة زوالا من نفس اليوم، وهو تهديد رفضه فرانسوا فيون، الأمر الذي جعل الفريق الآخر يعلن عن وقف المحادثات. من جهتهم سارع نواب غير منحازون لكلا الفريقين بإعلان عن استفتاء قبل 31 كانون الثاني (يناير) القادم، وفي يوم 2 كانون الأول (ديسمبر) اقترح جان فرانسوا كوبي أيضا استفتاء في الشهر القادم، لمعرفة رأي أعضاء الحزب في إعادة النظر في القوانين الداخلية للحزب، وبعد ذلك إعادة انتخابات رئاسة الحزب بعد الانتخابات المحلية التي من المقرر إجراؤها في آذار (مارس) 2014، كما اقترح أن رئيس الحزب لا يتقدم إلى الانتخابات التمهيدية الخاصة بالانتخابات الرئاسية التي من المقرر إجراؤها في 2016، وهو اقتراح رفضه فيون، لأن الآجال التي حددها خصمه بدت له بعيدة. مخرج النفق وجمعت بين فيون وكوبي ما لا يقل عن خمسة اجتماعات ما بين 3 و11 ديسمبر/ كانون الأول، دون التوصل لأي اتفاق، إذ أصر فيون على ضرورة تنظيم انتخابات قبل الصيف القادم، في حين أن كوبي يرفض إجراءها قبل مارس/ آذار 2014. ودخلت أطراف أخرى على الخط واقترحت تنظيم استشارة بالاقتراع السري لكل النواب المنتخبين ضمن قوائم الاتحاد من أجل حركة شعبية، لمعرفة رأيهم في إعادة الانتخابات قبل الصيف، إلا أن فيون رفض هذا الاقتراح، لإداركه أن أغلبية النواب يساندون غريمه. ولم يلتق الطرفين إلا في 16 كانون الأول (ديسمبر) لإجراء مفاوضات جديدة ، إذ أعلن كوبي عن استعداده لإجراء انتخابات جديدة في أيلول (سبتمبر) 2013، مبررا تراجعه بالحرص على تهدئة الأزمة التي تعصف بالحزب، في حين أبدى فيون ارتياحه، لقبول الطرف الآخر بإعادة الانتخابات في آجال معقولة. ووقع الطرفان في اليوم التالي اتفاقا للخروج من الأزمة، يتضمن سبع نقاط، بينها إعادة الانتخابات في الشهر التاسع من العام القادم، مع التزام كليهما بعدم اللجوء إلى القضاء، بخصوص الانتخابات التي جرت في 18 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. وبعد أن وضعت هذه الأزمة أوزارها بعد أكثر من شهر كامل من الاقتتال الداخلي، ذكرت صحف فرنسية أن رئيس الحكومة الأسبق جان بيار رافاران، المكلف بملف العلاقات الاقتصادية الفرنسية الجزائرية في قصر الإليزيه، هو من الذي كان وراء تليين مواقف جان فرانسوا كوبي، وأنه اتصل به ليقول له 'جان بيار يجب أن توقف هذا...'، وهي نصيحة سمعها جان فرانسوا كوبي، الذي يكن احتراما كبيرا لرافاران، الذي لم يتدخل في الأزمة خلال بداياتها، وعندما لاحظ تعنت كوبي ونجاح فيون في اكتساب أغلبية تدعم موقفه، دخل على الخط لإقناع المتخاصمين باتفاق يرضي الطرفين.