لم تكن حياة الستيني يونس عبد العزيز قبل التقاعد، كما هي بعده، بحسب أفراد أسرته، الذين أكدوا أن هناك تغييرات فسيولوجية ونفسية واجتماعية عدة، طرأت عليه منذ اليوم الأول لتقاعده ومكوثه في البيت، محذرين من أن التعامل الخاطئ مع المتقاعد، وعدم فهم نفسياته، قد يربك وضع الأسر. وخلصت العديد من الآراء الاجتماعية إلى أن المتقاعد يحتاج إلى أسلوب خاص جداً، للتعامل معه، حتى لا يشعر أنه أصبح بلا فائدة، أو أنه عالة على أفراد أسرته، بعد سنوات عدة من العمل والجد والاجتهاد. يصف جمعة يوسف حالة والده قبل التقاعد بأنه كان شخصاً هادئاً وحنوناً على إخوته الصغار، وكان النظام أساس حياته في كل شيء، لكن انقلبت الحال وتغيرت سلوكياته مائة بالمائة، مستطرداً: «بعد التقاعد أصبح متفرغاً للجميع، حتى الحديقة المنزلية التي كان لا يعيرها أي اهتمام، باتت شغله الأول عندما يستيقظ من نومه. وحتى الآن الأمور طيبة، لكن أن يصل الأمر ليقوم بتصليح كل شيء في المنزل، ويعتبر نفسه صاحب خبرة في ذلك، فإن النتيجة أنه كلما يقوم بإصلاح شيء يصيبه بالعطل، بدلاً من إصلاحه، حتى وصل الأمر به إلى مساعدة الجيران في حالة تعطل أي أجهزة لديهم، في محاولة منه لقتل وقت الفراغ». مشيراً إلى تغير حالة الهدوء التي كان يتصف بها والده، إلى حالة غضب، حيث أصبح يغضب من أتفه الأشياء، ولا يعجبه شيئاً، ولا يقبل الانتقاد أو التعليق، ولم يعد يهتم بإخواني الصغار، أو يسأل عنهم. نظرة بعيدة بينما تصرفات الستيني جاسم عبدالله سرور كما ترويها لنا زوجته (أم أحمد) ليست مختلفة عن والد جمعة، حيث تقول: «زوجي يعتبر أحد الرجال المعروفين في الفريج، وله رأي سديد ونظرة بعيدة المدى، والجميع يستشيرونه في كل صغيرة وكبيرة ويأخذون برأيه، ومشاغله الكثيرة قبل التقاعد كانت ما بين العمل والمزرعة والزيارات والصلاة في المسجد، لكن بعد التقاعد الوضع اختلف كلياً، حيث أصبح لا يعيرنا أي اهتمام ولا يأخذ بآرائنا، منطوياً على نفسه، ولا يحب المناقشة مع أحد، يتمسك كثيراً برأيه، ويرى أننا جميعاً على خطأ، بعكس ما كان عليه قبل التقاعد، كما أنه أصبح عصبياً أكثر من اللازم، ولا يقبل الانتقاد أو التعليق، وينتقد ملابسنا كثيراً ولا يعجبه ما نرتديه، أما تصرفاته خارج المنزل، فلم تزل كما كانت، يعتد برأيه، لكن لا يتعصب له، وإذا خرج لتلبية دعوة، أو ذهب لأحد المجالس، يعود منه منشرح الصدر على عكس ذلك عندما يكون موجوداً في المنزل». هموم متقاعد وفي المقابل، تحكي (أم خالد) تجربة زوجها المتقاعد: «أصبح لا يغادر المطبخ، حيث يقوم بالطبخ لمن في المنزل، وهذا الأمر جعلني أفقد جانباً كبيراً من دوري، كما تولد لدي اكتئاب من تدخله الكثير في كل شيء، حتى خروجي وملبسي، ما جعلني ألجأ إلى تناول الأدوية المضادة للاكتئاب». ... المزيد