محمد حامد افتخرت إسرائيل طويلا بأن مبدأ حرية الإعلام لديها هو أهم ما يميزها عن الدول العربية المحيطة بها، حيث تعتبر وسائل الإعلام الإسرائيلية غير مرتبطة بالسلطة وتتمتع بحرية تعبير واسعة تمكنها من التطرق إلى كافة الموضوعات فيما عدا القضايا الأمنية التي تخضع للرقابة العسكرية. وعلي الرغم من أن هذه الزعم ليس صحيحا على الإطلاق، فإن وسائل الإعلام الإسرائيلية تعرضت خلال السنوات القليلة الماضية لمجموعة من القيود على عمل الصحفيين وتدهورت حرية الصحافة، ففي عام 2010 كشف التقرير السنوي لمنظمة صحفيين بلا حدود عن وضع حرية الصحافة في العالم، أن إسرائيل وصلت إلى المرتبة 93 من أصل 173 دولة ولم تعد تقف لأول مرة على رأس دول الشرق الأوسط. وكان من أبرز القوانين التي ساهمت في تقييد حرية التعبير في إسرائيل تشريع «حظر التشهير» الذي أقره الكنيست في العام الماضي، وهو القانون الذي أطلق عليه الصحفيون اسم قانون «تكميم الأفواه»، ومحاولة لفرض سيطرة الدولة على الإعلام، وخرجوا في مظاهرة ضمت الآلاف في شوارع تل أبيب ودخلوا في مصادمات عنيفة مع الشرطة. كما تخضع قنوات التلفزيون الرسمية مثل «القناة الأولى» و«الثانية» و«العاشرة» والمحطات الإذاعية لإشراف الدولة، لكنها توجه في كثير من الأحيان انتقادات عنيفة لسياسة الحكومة ولهذا سعت حكومة نتنياهو إلى إغلاق بعض هذه المحطات بهدف إسكات الأصوات الناقدة لها، مستغلة الأزمة المالية الشديدة التي تعاني منها هذه المحطات، ولعل أبرز نموذج على ذلك هو ما تعرضت له «القناة العاشرة» في التلفزيون الإسرائيلي التي أعلنت إدارتها في الأسبوع الماضي عن نيتها وقف البث وفصل العاملين فيها والبالغ عددهم 500 موظف، بعد أن رفضت لجنة الاقتصاد التابعة للكنيست تسديد ديون القناة للدولة، كما رفضت هيئة البث الإذاعي تجديد امتياز بث القناة الذي سينتهي بنهاية العام الحالي. ويري كثير من المحللين الإسرائيليين، أن "التضييق على محطتي القناة العاشرة والثانية يرجع إلي رغبة نتنياهو في إضعاف الصحافة المرئية والمطبوعة التي لا تكف عن توجيه النقد لسياسات حكومته، وإفساح المجال لصحيفة «يسرائيل هايوم» المملوكة لرجل الأعمال اليهودي الأمريكي شيلدون إديلسون، أحد أكبر مؤيدي نتنياهو وتيار اليمين المتطرف في إسرائيل، وهو ما دفع صحيفة «هآرتس» للقول إن رئيس الحكومة يسعى إلى وضع كهذا، لأن عددا من التحقيقات الصحفية التي أجرتها القناة العاشرة لم تعجبه. وإلي جانب التضييق المالي على المحطات التلفزيونية التي تنتقد سياسة نتنياهو، هناك حملة يقودها أنصار نتنياهو ضد صحيفة «يديعوت أحرونوت»، فقد تقدم البروفيسور أشير ماعوز، عميد مدرسة الحقوق التابعة لمركز بيريس الأكاديمي، بشكوى إلى رئيسة مجلس الصحافة الإسرائيلية ضد صحفية «يديعوت أحرونوت» بسبب العنوان الريس للصحيفة يوم الاثنين الماضي والذي جاء فيه «مسؤول سياسي رفيع المستوي: نتنياهو يقود إسرائيل إلي كارثة»، وجاء في الشكوى أن هذا الرأي الذي عبرت عنه الصحيفة ينضم إلى الحملة التي تقودها «يديعوت أحرونوت» ضد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وهل يليق بصحيفة لا تنتمي إلي حزب أو حركة سياسية أن تكون جزءا من أجندا سياسية في معركة انتخابية؟". وقد دخل وزير الخارجية المستقيل، أفيجدور ليبرمان، على خط الهجوم على «يديعوت أحرونوت» ولكن بسبب ما نشره الصحفي الشهير ناحوم برنيع، في عموده بالصحيفة، واتهم فيه المؤسسة القضائية بالتواطؤ في فتح تحقيق مع ليبرمان وتوجيه لائحة اتهام ضده بالاحتيال وخيانة الأمانة في قضية تعيين السفير الإسرائيلي في بيلاروسيا، حيث كتب «ليبرمان» ردا طويلا علي صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» يوم الاثنين الماضي، "قرأت ما كتبه برنيع في عموده الصحفي الذي يمكن أن نسميه العامود اليومي لكاذب لا يتعب»، كما اتهم ليبرمان الصحفي برنيع، الحائز على جائزة إسرائيل للصحافة، بأنه متحيز ومفبرك ووصفه طوال رده ب«الكاذب».