مع كل موسم مطر يعيش أكثر من نصف مليون مواطن بأسوان في رعب شديد من أخطار السيول التي تنهال عليهم وتهدد بيوتهم بالغرق.. والتي تضيف إلى همومهم من العيش في مناطق عشوائية تحت ظروف اقتصادية واجتماعية تحول دون انتقالهم إلى أماكن أخرى، بينما تقف المحافظة عاجزة أمام هذه الكارثة.. وإن كانت هذه المرة قد مرت بسلام، ولم تخلف غير خسائر مادية بسيطة، ولكن الخطر ما زال مستمرًّا، ولا ينفع أن ننتظر حتى تحدث الكارثة؛ لنبحث بعدها عن حل، وقت لا ينفع الندم. توجه "البديل" إلى المنطقة، والتقى بالمسئولين؛ لعرض هذه الكارثة والبحث عن حلول لها.. العدد كبير جدًّا يحتاج لمصاريف خاصة: د. محمود علي حسين رئيس جهاز شئون البيئة بجنوب الصعيد سبق أن أكد "أن ما يقرب من ال 300 ألف نسمة يسكنون في الخط الشرقي لمدينة أسوان وحدها، بالإضافة إلى القرى، وهم في حاجة إلى معونة من الدولة؛ لتوفير سكن آمن لهم، والعدد الكبير جدًّا يحتاج إلى مصاريف كثيرة، ولا بد أن يكون هناك حصر كامل لهذه البيوت من الأجهزة المعنية والسعي لنقل هذه البيوت لأحياء أخرى آمنة بعيدة عن مناطق مخرات السيول، وأعتقد أن السكان مش هتقول لأ". وأشار إلى أن "أغلب سكان هذه المناطق الشرقية عاصر السيول في سنة 92 والتي كانت سيولاً قوية جدًّا، وأثرت على منطقة عزبة النهضة بإغراقها بالكامل وبعض المناطق المحيطة بها". ونوَّه قائلاً: "في السابق لنا تجربة بعد السيل الذى ضرب أسوان فى سنة 2010 بنقل مساكن الواقعة على مخرات السيول فى مساكن أخرى بعيدة عن مخرات السيول بشكل آمن، ولكن بعض السكان عاد ليبني بيوتًا من جديد في أماكن المخرات خوفًا من بيعها لمستثمرين؛ ولذلك أتمنى أن يصل الوعي عند المواطن ويدرك أنه يعيش في منطقة خطر، ويجب أن ينتقل إلى مكان آمن". العشوائيات بدأت مع بناء خزان أسوان والسد العالي: المؤرخ الشيخ وحيد محمد يونس (61 عامًا) يحكي لنا بدايه قدوم أهالي الصعيد إلى أسوان, يقول: "وفدت في فترة بناء خزان أسوان والتعليات منذ عام 1902، مرورًا بالتعلية الثانية عام 1912، وقدمت قبائل من مدينة قوص وإسنا؛ للعمل بتجارة الفواكه والخضر، وتزاوجوا مع الأصولية وامتزجوا معهم فى تركيبة سكانية متجانسة حتى اليوم. وفي فترة بناء السد العالى قدمت قبائل من قنا؛ لتنفيذ المشروع، حيث استشهد المئات منهم فى حفر أنفاق السد ونزفت دماؤهم فى تفجيرات الألغام أثناء حفر الأنفاق، وعند انتهاء بناء السد العالى فضل هؤلاء القادمون من قنا العيش بأسوان والاستقرار فيها مع أسرهم بالظهير الجبلى لمدينة أسوان في المنطقة من "الجزيرة" إلى مستعمرات مصنع كيماء إلى ضفاف مصرف سيل أسوان، وأنشؤوا مدنًا أشبه بالريف لا تتوافر بها وسائل المعيشة المعتادة من مياه وصرف صحي أو تخطيط عمرانى أو أمن؛ مما استلزم تكاتفهم فى أشكال جمعيات أهلية، حيث تقع مبانيهم بطول مصرف السيل حسب تركز قبائلهم طلبًا للأمن والتكاتف الاجتماعى مع أبناء قبائلهم". الرشاوى الانتخابية جعلت العشوائيات أمرًا واقعًا: وعن سبب تفاقم الأزمة يقول حسن محمد شلالي الرئيس السابق لمجلس محلى مدينة أسوان: "عندما هبط سيل 92 على مدينة أسوان وتم هدم الكثير من المنازل وتشريد المئات من الأسر القاطنة على ضفاف منطقة شرق الترعة وعزب كيماء، فى هذا الوقت صدر قرارات الجهات المسئولة عن محافظة أسوان بتحديد مناطق مخرات السيول، وتم عرض الموضوع على المجلس المحلى؛ لمنع البناء فى هذه المناطق، وتمت الموافقة على خطر البناء على مخرات السيول أو التي تقع فى حيز المخرات، وهذا الكلام استمر حتى وفاة المحافظ السابق صلاح مصباح. وعلى الرغم من الحصر، تم البناء مع مرور الزمان بسبب عدم تشديد الرقابة على تلك المناطق، فتم بناء الاف المنازل العشوائية، وأصبحت البناء على منطقة مخرات السيول والمحظورة أمرًا واقعًا, وأصبحت هذه الكتل التصويتية الضخمة فى تلك المناطق تساوم المرشحين على توصيل المرافق مقابل أصواتها عن طريق الجمعيات الأهلية القبلية لأبناء الصعيد، وكانوا يفتحون الباب على مصراعيه لتوصيل المرافق والخدمات قبل كل انتخابات؛ لاسترضاء الناخبين من المغتربين, وأصبح من الصعب الآن على الدولة توفير أماكن بديلة لهذه الأعداد البكيرة جدًّا، والتي تنتظر مصيرها بين كل موسم أمطار وآخر". والآن ما رأي اللواء مصطفى كامل السيد محافظ أسوان والأجهزة المعاونة له في هذه الكارثة والتى إن مرت بسلام هذه المرة قد لا تحمد العواقب فى مرات قادمة؟ أخبار مصر - تحقيقات - البديل