ولعل أول إشارات المغايرة تجلت في مشاركة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح في وقائعها وغياب العاهل السعودي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني والسلطان قابوس سلطان عمان وهو ما جعلني أطلق عليها مع زملاء آخرين قمة الملك والأمير والملك هو العاهل البحريني حمد بن عيسي آل خليفة والأمير هو أمير الكويت. صحيح لم تكن المرة الأولي التي يغيب فيها هذا العدد من كبار زعماء منظومة مجلس التعاون عن قمة خليجية دورية فقد استضافت الدوحة قبل سنوات قمة اقتصر فيها الحضور علي أمير البلاد الشيخ حمد والسلطان قابوس فقط وبالتالي لم ينطو هذا الغياب لأربعة من زعماء المنطقة عن قمة البحرين علي معضلة لأن من مثلوهم كانوا من مستوي رفيع أيضا خاصة أنهم يشغلون الموقع الثاني في هرم السلطة في بلدانهم فضلا عن ذلك فإن هذا الغياب فرضته ضرورات بعضها يتعلق بظروف صحية مثل حالة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والخارج لتوه من عملية ناجحة والذي مثله ولي عهده الأمير سليمان بن عبدالعزيز ورئيس الإمارات الشيخ خليفة بن زايد والذي مثله نائب رئيس الدولة الشيخ محمد بن راشد بينما يتعلق بعضهاالآخر بالرغبة في الدفع بولي العهد للمشاركة في أعلي مؤسسة لمنظومة مجلس التعاون مثل حالة ولي عهد قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ليحصل علي المزيد من الخبرات والقدرات في التعاطي مع منظومة باتت تشكل رقما مهما سواء علي الصعيد الإقليمي أو الدولي بينما غياب السلطان قابوس بات معتادا فهو لم يشارك معظم القمم التي عقدت في السنوات الأخيرة سواء خليجية أو عربية دون أن يكون لذلك أي دلالات سلبية وإن كنت من الذين يرون ضرورة مشاركة هذا الحاكم العربي الأصيل التي تتسم مقارباته بالعقلانية والواقعية والتوزان الدقيق دون سعي لخصومة مع طرف أو إقامة صداقة علي حساب مبدأ أو قيمة. ومع هذا الغياب لأربع من زعماء المجلس فإن قمة البحرين لم تشهد خفوتا في صوتها أو هشاشة في قراراتها بل يمكن الإشارة إلي ثلاث ملاحظات جوهرية أكسبتها قدرا واسعا من الأهمية الأولي: الاهتمام الذي شهدته القمة بفعالياتها, وهو ما انعكس في كلمات المشاركين بمختلف مستوياتهم والتي دعوا فيها إلي ضرورة أن تنجز, هذه قرارات جوهرية ملموسة يشعر بها المواطنون الخليجيون وبقية دول الإقليم, إضافة إلي ردود الفعل المصاحبة,الي جانب الاهتمام السياسي والإعلامي الذي أحاط بالقمة وفاق توقعات البعض بل وأضفي عليها مزيدا من الثقل بالمقارنة بغيرها. الثانية: حجم وطبيعة الملفات التي عرضت علي المشاركين فيها وكانت محل مباحثاتهم سواء التحضيرية منها أو التي عقدت خلال الجلسات المغلقة وتطلبت منهم في مداولاتهم المطولة إعطاء أولوية قصوي لقضايا العمل المشترك ومتطلبات استكمال المواطنة والوحدة الخليجية فضلا عن دعم الوشائج المصيرية التي تربط دولهم وبين شعوبهم وبعضهم البعض. الثالثة: الأجواء التي انعقدت فيها أعمال القمة وفعالياتها, وهي أجواء داخلية وإقليمية ودولية بالغة التعقيد, حسبما اتفق علي ذلك المشاركون فيها خلال الكلمات التي ألقوها وأبرزهم كلمة العاهل البحريني والعاهل السعودي التي القاها نيابة عنه ولي عهده الأميرسلمان بن عبد العزيز والتي فرضت عليهم التعاطي معها بوتيرة ربما نهج مختلفين عما هو معهود من قبل, ويمكن تلمس ذلك في هذا الوعي العميق بالمخاطر والتحديات التي تواجه منظومة المجلس والمنطقة بفعل الظروف المحيطة وهو ما كان ملموسا بدا خلال كلمات الافتتاح والختام للقادة الحضور. وكان لافتا عقد وقائع القمة بقصر الصخير الملكي الذي يبعد عن العاصمة المنامة مسافة تقرب من الساعة بالسيارة وهو يعد أحد المعالم التاريخية في مملكة البحرين, فقد بني عام1870, وتم تجديده وافتتاحه عام2003, وفي المنطقة مطار دولي مما مكن الزعماء المشاركون في القمة من الهبوط فيه حتي لاترتبك حركة الطيران بمطار المنامة الدولي الكثيف الحركة الذي يتسم بنسق حضاري مدهش في مبناه وقاعاته وسوقه الحرة ربما يكون لذلك صلة بالإجراءات الأمنية التي اتخذتها السلطات البحرينية لتأمين انعقاد القمة بعيدا عن مؤثرات قد تنتج من متربصين بأمن الوطن قد يكونوا خططوا لمحاولة إفساد اللحظة. كما كان لافتا أن الملك حمد حرص علي أن يكون رئيس الوزراء الأمير خليفة بن سلمان بن آل خليفة ضمن الوفد الرسمي إلي القمة, فهو من أهم مقومات السلطة في البلاد بحكم ما يمتلكه من فائض خبرة سياسية ووطنية أسهمت في خفض معدل العنف والتأزم في البحرين مما وجه رسائل الي الداخل والخارج بأنه ما زال يمثل رقما مهما في معادلة السلطة الي جانب ولي العهد ووزير الخارجية ووزيرة الدولة للإعلام وهم جميعا من أجيال عمرية وسياسية مختلفة يشكلون رصيدا مهما لمعاونة القيادة العليا في إدارة البلاد.