قدّم العاهل الأردني عبدالله الثاني ورقة نقاشية ضمّنها رؤيته لبناء الديمقراطية المتجددة في الأردن، مشددًا على احترام الرأي الآخر والحوار والمساءلة والتضحية، لكنّ معارضين أكدوا أن هذه الورقة لا تعيد الثقة المفقودة بين الدولة والمواطن، مطالبين بكبح جماح المال السياسي. مع بدء العد التنازلي للانتخابات البرلمانية الأردنية، واحتدام النقاش في الأروقة السياسية حول مدى نجاح التجربة الديمقراطية الأردنية بعد رياح الربيع العربي، والتغيّر الذي تنتظره الساحة الأردنية في اعادة صياغة المسيرة الديمقراطية التي يتوق اليها كل الأردنيين، أكد العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أن الانتخابات القادمة يجب أن تكون نزيهة وشفافة للوصول إلى حكومات برلمانية تجسد الشراكة الحقيقية للمواطن الأردني في صنع القرار، وأن يتحمل النائب القادم مسؤولياته الوطنية لا الفئوية وذلك لخدمة وطنه وشعبه. وأكد العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في ورقته النقاشية على تطوير الممارسات الضرورية للديمقراطية. قائلًا:" ما نحتاجه، بالتزامن مع انطلاق الحملات الانتخابية، هو تطوير ممارسات ترتبط بمفهوم المواطنة الصالحة، التي تشكل الأساس لديمقراطية نابضة بالحياة". الرأي الآخر أساس الشراكة أشار الملك عبدالله إلى أربعة مبادئ وممارسات أساسية لا بد من أن تتجذر في السلوك السياسي والاجتماعي الأردني، لبناء النظام الديموقراطي الذي يرغب به الأردنيون. قال: "تمثل الانتخابات النيابية القادمة فرصة حقيقية لتعزيز هذه المبادئ والممارسات، التي من المهم ألا تتوقف بانتهاء العملية الانتخابية، بل أن تستمر حتى تترسخ قناعات ثابتة في حياتنا اليومية خلال السنوات القادمة". أول المبادئ الأربعة، بحسب رسالة الملك، احترام الرأي الآخر، لأنه أساس الشراكة بين الجميع، إذ قال: "لنتذكر جميعًا أننا كأردنيين وأردنيات إخوة وأخوات متساوون في مركب واحد، وأن وحدتنا وإخلاصنا لهذا البلد يسمو فوق كل اختلاف، سواء أكان في العرق أو الأصل أو الدين. ومن الضروري أن نعمل معًا على توسيع دائرة الاحترام والثقة المتبادلة بيننا، وأن نبني عروة وثقى تجمع الأردنيين على أساس احترام الإنسان وكرامته، وهذا الاحترام المتبادل هو ما سيمكننا من أن نُتقن واجب الاستماع كما هو حق الحديث". أضاف: "لا بد أن نعي جميعًا بأن تفهم الرأي الآخر هو أعلى درجات الاحترام، وأن حرية التعبير لا تكتمل إلا إذا التزمنا بمسؤولية الاستماع، وبهذه الممارسة فقط سنترك وراءنا نمط التفكير الذي يصنف المجتمعات إلى مجموعات متنافرة على أساس نحن والآخر، ففي نهاية المطاف كلنا أردنيون وكلنا للأردن". برامج انتخابية واضحة وأكد العاهل الأردني على أن المواطنة لا تكتمل إلا بممارسة واجب المساءلة، المبدأ الثاني، قائلًا: "أدعو المواطنين إلى الانخراط في بحث القضايا والقرارات المهمة ذات الأولوية في مجتمعنا وسبل إيجاد حلول لها، ولتبدأ هذه الممارسة اليوم قبل الغد من خلال إسماع أصواتكم في الحملات الانتخابية، ومن خلال التصويت يوم الاقتراع. أضاف: "تذكروا أن الديمقراطية لا تصل مبتغاها بمجرد الإدلاء بأصواتكم، بل هي عملية مستمرة من خلال مساءلتكم لمن يتولون أمانة المسؤولية، ومحاسبتهم على أساس الالتزامات التي قطعوها على أنفسهم. كما أن الديمقراطية مستمرة أيضًا من خلال انخراطكم في نقاشات وحوارات هادفة حول القضايا التي تواجه أسركم، ومجتمعاتكم المحلية، والوطن بعمومه، وفي مقدمتها محاربة الفقر والبطالة، وتحسين خدمات الرعاية الصحية والتعليم والمواصلات العامة، والحد من آثار الغلاء المعيشي، ومحاربة الفساد بأشكاله وأي إهدار للمال العام". وتابع: "تتطلب هذه الممارسات أن يتقدّم المرشحون للانتخابات ببرامج عملية وموضوعية مبنية على الحقائق وليس الانطباعات، بحيث توفر تلك البرامج حلولاً قابلة للتنفيذ لمعالجة مشاكلنا، مع تجاوز الشعارات البرّاقة والتنظير والإفراط في تشخيص المشاكل دون طرح حلول واقعية وعملية". حوار وطني توافقي أكد العاهل أن الحوار والتوفق واجب وطني مستمر، وهو المبدأ الثالث، قائلًا: "يرتبط التواصل والتعبير عن الآراء في المجتمع الديموقراطي بالتزام مبدأ الاحترام مع حق الاختلاف في الرأي، في ظل سعينا للوصول إلى حلول توافقية. أما تنوّع الآراء والمعتقدات والثقافات في مجتمعنا فقد كان على الدوام عنصر قوة، ولم يكن عامل ضعف أبدًا". وأضاف : "الاختلاف لا يؤشر على وجود خلل، وليس شكلًا لانعدام الولاء، بل أن الاختلاف المستند إلى الاحترام هو دافع للحوار، والحوار في ما بين أصحاب الآراء المختلفة هو جوهر الديمقراطية، والديمقراطية هي الأداة التي تجعل من الحلول التوافقية أمرًا يمكننا من المضي إلى الأمام، وباعتقادي فإن الوصول إلى حلول توافقية تقوم على مبدأ أن نعطي كما نأخذ، وبهذا المنطق فإن على جميع الأطراف أن تدرك أنها تحقق بعض ما تريد، وليس كل ما تريد. والمبادرة للتنازل وصولًا إلى حلول توافقية هي فضيلة ترفع من شأن من يتحلى بها، وليست علامة ضعف". التضحيات والمكتسبات تابع الملك رسالته :"أدعوكم للالتزام بالحوار والنقاش سبيلاً لحل الاختلاف في الرأي، قبل الانسحاب من طاولة الحوار والنزول إلى الشارع. وعلى الرغم من الإيمان والإجماع الراسخ بأن حق التظاهر مكفول بالدستور، فلا بد أن نعي جميعًا أن هذه أداة اضطرارية، لا يتم اللجوء إليها إلا كخيار أخير، ولا يصح المسارعة إلى تبنيها فيتعطل الحوار ويغلق باب التواصل. ولنتذكر جميعًا أنه يتوجب علينا، وبعد أي إضراب أو اعتصام أو مقاطعة، العمل سوية من جديد وصولاً إلى حلول توافقية نمضي بها نحو بناء مستقبلنا يدًا بيد". أكد الملك عبدالله في رسالته أن الأردنيين جميعًا شركاء في التضحيات والمكتسبات، المبدأ الرابع، قائلًا:" علينا أن نضع نصب أعيننا حقيقة أن الديمقراطية في جوهرها لا تعني أنه يوجد رابح أو خاسر، كما لا توجد أجوبة صحيحة بالمطلق. فقوتنا تكمن في قدرتنا على التعامل مع المتغيّرات من حولنا، ولقد كان شعبنا على امتداد تاريخنا مثالًا في إثبات القدرة على التعامل مع الظروف المستجدة من حوله. وكونوا على ثقة بأننا جميعًا سنربح مع استمرارنا في التواصل والمضي إلى الأمام على مسار الإصلاح والتنمية الشاملة، مع ضرورة أن يكون الجميع شركاء في بذل التضحيات وحصد المكاسب". فرصة تاريخية للديمقراطية وضع العاهل الأردني في رسالته تصوره حول سير الأردن على الطريق الصحيح في الفترة الحالية التي تتسم بالحملات الانتخابية، وخلال السنوات التي تلي الانتخابات البرلمانية القادمة. كما دعا الملك عبدالله الثاني الأردنيين إلى استغلال الفرصة التاريخية التي يمر بها الأردن اليوم، قائلًا: "أدعو المواطنين والمواطنات من أبناء وبنات شعبنا العزيز لتبني المبادئ والممارسات الديمقراطية التي عرضتها للتو، فهي تشكل اجتهادًا لترسيخ سلوكيات المواطنة الصالحة، المؤمنة بالديمقراطية نهج حياة. وأحث الجميع على استثمار هذه الفرصة التاريخية لممارسة حقوقهم ومسؤولياتهم، خصوصًا في ظل التعديلات الدستورية الأخيرة التي كرست مكانة الشعب شريكًا حقيقيًا في صناعة القرار، وأن يتحملوا مسؤولية واجباتهم الوطنية بانتخاب مجلس نواب كفء قادر على خدمة الصالح العام وضمان مستقبل أفضل لأردننا الحبيب، اليوم وليس غدًا نبدأ معًا لحظة المسؤولية التاريخية لبناء المستقبل الذي يستحقه الأردن، وينشده الجميع لأجل الحاضر". غياب الثقة في السياق نفسه، قال طاهر المصري، رئيس مجلس الاعيان الأردني، ل"إيلاف" : "الأسس التي طرحها جلالة الملك عبدالله الثاني في الورقة النقاشية تتناغم مع تطلعات المواطنين وتشكل العنوان الرئيس للانطلاقة الحقيقية نحو بناء مستقبل مزدهر وفق منظومة القيم الديموقراطية". وأضاف المصري : "أن الورقة النقاشية تؤكد القناعة والتصميم على المضي قدمًا نحو الديموقراطية الحقيقية من خلال الحوار والتوافق الوطني باعتباره العنوان الأساس والرئيس في هذه المرحلة". من جهته، رأى الكاتب والمحلل السياسي حسن البراري في حديثه ل"إيلاف" أن المشكلة تكمن في السياق العام الذي يحكم المزاج الشعبي والسياسي، وهو سياق خلقته السياسات الرسمية ويتصف بغياب الثقة بين الدولة والمجتمع. أضاف: "تأتي هذه الورقة في وقت عصيب يعاني فيه المجتمع الأردني من انقسام واضح حول الخطوات التي اتخذت لتحقيق الاصلاح، وحول الجدوى من المشاركة بالعملية الانتخابية بدليل مقاطعة أعداد كبيرة من الأردنيين للتسجيل والانتخاب ". وتساءل البراري عما إذا كانت الورقة النقاشية التي تحمل الكثير من المضامين المطلوبة تكفي لاقناع الأردنيين أو جزء منهم بجدية الدولة بالاصلاحات، قائلًا: "انحاز الملك شخصيًا لقوى الشد العكسي التي انتجت قانون انتخابات خلق حالة من الاستقطاب غير المسبوقة بالأردن بشأن عملية الاصلاح، فكيف يمكن اقناع الأردنيين باحترام رأيهم ونحن نشاهد الحكومات في غير مناسبة تضرب عرض الحائط بالتعهدات الملكية مثلما حصل مع مخرجات لجنة الحوار الوطني؟". المال السياسي يحرق الانتخابات ويطرح البراري اشكالية أخرى تتعلق بمبدأ النزاهة في الانتخابات القادمة، وفي الطريقة التي شكلت بها القوائم، وتوظيف المال السياسي تحت أنف الدولة، التي لم تتخذ أي اجراء يدفع الناس للاعتقاد بأن الانتخابات هذه المرة ستأتي خلافًا لسابقاتها، موضحًا أن القوى والأفراد يشترون الذمم ويتلاعبون بالترشيح وبالتصويت. قال : "هؤلاء مقربون من الدولة، كما نلاحظ في حالة عدد من المرشحين الذين ارتبطوا بالاجهزة الامنية، وكذلك بعض الاحزاب الجديدة التي تعتقد بأنها تخدم البلد واستقراره وتنتظر المكافآت من قبل الدولة". وانتقد البراري تباطؤ الحكومة في الوقت الذي يؤكد خلاله الملك عبدالله الثاني في ورقته النقاشية ضرورة محاربة المال السياسي. قال:"يستخدم المرشحون المال السياسي بلا رادع على الاطلاق، لذا من الصعب أن تجري انتخابات يشهد لها الأردنيون كافة بالنزاهة والشفافية على الرغم من النيات الحسنة في رأس الدولة، فقد سبق وتعهد بانتخابات نزيهة لنكتشف بعدها أن الانتخابات كانت مزورة وباعتراف رسمي".