حلب (رويترز) - أغلق مسجد يعود للقرن الثالث عشر بعد أن أصابت قذيفة قاعدة مئذنته. ويطلق قناصة النار من مكامن فوق أسوار القلعة التي تحصن فيها ذات يوم المقاتلون الإغريق والرومان والبيزنطيون والعرب والأتراك. وقبل بضعة أشهر فقط كانت حلب القديمة متحفاً حياً ومدينة مفعمة بالحيوية، حيث كان المتسوقون يساومون على أسعار الكتب والتوابل والصابون في السوق. وحلب تعد أكبر المدن السورية ومركزها الاقتصادي. كما أن الحي القديم بالمدينة بما يضمه من تحصينات شاهقة الارتفاع بناها خلفاء صلاح الدين الأيوبي بعد انتصاره على الصليبيين في القرن الثاني عشر، مدرج ضمن مواقع التراث العالمي المسجلة لدى منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافية "اليونسيكو" التي أشادت بمعمار المدينة القديمة باعتباره من عجائب الإنجاز البشري. لكنه تحول الآن إلى منطقة حرب وأصبح أنقاضاً. وتغطي صفائح حديدية عليها آثار الإصابة بالأعيرة النارية الأزقة التي تضم منافذ البيع بالأسواق التي إما أغلقت أو أحرقت أو دمرت. وينتشر مقاتلو المعارضة في المنطقة في سيارات تنبعث منها الأغاني الثورية. وقال الحاج عامر الذي يمتلك داراً للطبع في منطقة السوق القديمة "حلب القديمة كانت أساس هذا العالم.. ما يحزننا حقاً هو المساجد التي دمرت". وأضاف "هذه المنطقة هي جذوري.. حياتي منذ عام 1975.. سأبقى دائماً هنا". وتسببت الحرب الأهلية في سوريا في مقتل ما يقدر بنحو 45 ألف شخص ولجوء ونزوح أكثر من 3 ملايين سوري. ووصلت الحرب إلى حلب قبل نحو 6 أشهر، ورغم أن مقاتلي المعارضة يسيطرون الآن على معظم المدينة، فإن أجزاء منها ما زالت ساحة للمعارك. وسرد مسؤولو الأممالمتحدة الذين أعلنوا حلب القديمة موقعاً للتراث العالمي، بعضاً من العجائب الموجودة في المدينة. وكتبوا يقولون "القصر الملكي.. مرصع بالرخام الأبيض. غرفة العرش التي تعود إلى العصر المملوكي (القرنين الخامس عشر والسادس عشر) تم ترميمها بذوق راق.. الفنانون والحرفيون السوريون أعادوا تمثيل الشكل الفاخر للبلاط الملكي". وخلال جولة في البلدة القديمة، يعرض السكان الأضرار التي لحقت بالآثار ويتحدثون عن شعورهم بالحسرة الشديدة. وفي جامع العثمانية، حدثت فجوة كبيرة في القبة التي تعود إلى عام 1728. كما أن الأرضية الخرسانية تحمل آثار قذيفة بينما اختفى الزجاج الذي كان يزين الأقواس العالية عند مدخل ساحة الصلاة. وقال أبو محمد البالغ 70 عاماً الذي يصلي دائماً في هذا المسجد: "لم يكن هناك مسلحون في هذا المسجد". وأضاف: "قبل نحو أسبوعين بعد أن انتهينا من صلاة العصر، كنا نجلس في الظل عندما انفجرت قذيفة في الفناء". بالإضافة إلى ذلك، تنبعث رائحة كريهة للمياه الراكدة من غرف في حمام يعود للعهد العثماني وكان مزدحماً قبل الحرب. وسقطت قذيفة على قبة البهو وتناثرت قطع الزجاج الملون حول نافورة. ووقعت مصابيح على الأرض. وبدأ الناس يعودون ببطء إلى أنقاض المدينة القديمة. وقالت ريهام البالغة 12 عاماً وكانت تصاحب جدتها في زقاق إلى مركز طبي، "عدنا لأنه ليس لنا مكان آخر نذهب إليه.. لم نعد حتى نتعرف على الحارات". وفي السوق ما زالت بعض منافذ البيع التي نجت من القصف مفتوحة لبيع الحلوى والمشروبات الغازية. ويحتسي الرجال الشاي أمام الورش. وقال أبو عثمان، وهو مقاتل في لواء "التوحيد" التابع للجيش الحر "دمر بشار الأسد المساجد والأسواق القديمة.. وهي من أقدم الأسواق في العالم". وأضاف "لم نر المياه والكهرباء منذ شهرين.. وكأن الرجل بينه وبين الآثار مثل الأسواق والمساجد عداوة. وحتى مع الباعة؛ لأنهم لم يؤيدوا ظلمه.. انتقم منهم بإحراق كل ممتلكاتهم".