"عزابي مع مرتبة الشرف، ولن أخوض غمار الزواج أبداً"، هذا ما يشير إليه نزيه (33 سنة)، وحسبه أن "الزواج لم يعد سهلاً على شباب لبنان . لم يعد حلماً بل خوف وقلق، لم يعد بوسعهم تحمّل مسؤولياته ويفضلون العزوبية" . ورأى نزيه أن المؤسسة الزوجية "عبء اقتصادي ثقيل، يحتاج معه إلى تضحيات كثيرة لسد حاجاته، أسخر ممن يسألني لماذا لم تتزوج والشيب غزا شعرك؟ وهنا أسأل الدولة، ماذا وفرت للشباب: وظيفة، مالاً، منزلاً، خدمات؟ لا شيء أبداً . وهذا وحده يمنعني حتى من التفكير بالزواج، وبالتالي الحرية أفضل من العيش بالديون . شباب عازبون بمزاجهم، تخلو عن الزواج بإرادتهم، فهو يقع في رتبة "الصفر" على سلم أولوياتهم غير آبهين ما للأمر من انعكاسات خطرة على الواقع الاجتماعي الداخلي . والغريب أن ينسى يوسف أن يتزوج، "نسيت بإرادتي" لأنه يرى الزواج "عقدة حياتية"، ولا يخشى "الوحدة" رغم أنه يرفض الهدوء، يبدو يوسف ابن ال 39 سنة كمن يبحث عن مبرر لعزوبيته ويقول "العمل سرقني، أمضيت حياتي في العمل والتسلية" ثروة هائلة يملكها "لم تكن أبدا الضائقة الاقتصادية سبب "اعتكافي"، ولكن أنا "مزاجي" لا يعجبني العجب وأرى في كل بنت مئات العلل حتى اتركها" . . الأغلبية شباب تخطوا الثلاثين، يرفضون الزواج لاعتبارات عديدة اقتصادية، غياب الشقة، والأهم البطالة وغياب الاستقرار الوظيفي، فضلاً عن أن للبعض اعتبارات خاصة، هل تبريراتهم مقنعة؟ هل هي حالة هروب للأمام من المسؤولية أم أنها حالة "عصيان" بين الشاب والمرأة التي يتنافس معها على رئاسة مملكة الزواج"؟ السؤال الأهم: ما تداعيات الأمر على تركيبة المجتمع؟ . لا شك في أن ظاهرة عزوف الشباب عن الزواج، من أخطر الظواهر التي تهدد الصحة النفسية للفرد وتؤثر في بنية المجتمع وتركيبته الاجتماعية والاقتصادية، ما يؤدي إلى اختلال التوازن في هرميتها . ومع ذلك نأى إبراهيم بنفسه عن الفكرة التي "تقض مضجعه"، وإبراهيم (36 عاماً) يعمل محاميا ويرى أن المرأة "شايفة حالها"، يعيش ابراهيم عقدة نفسية اسمها "امرأة" لأنه يرى أن طموحها غلب على شخصيتها وأفقدها الكثير من أنوثتها" . "أعزب بإرادتي بمزاجي لأنني أعشق الحرية" هذا ما يبوح به الإعلامي ربيع الذي يهوى السفر "لا أريد أن أعمل وأقسط سعر شقة وفي تحمل مسؤولية أولاد، لا أحب العائلة والروتين أنا مِزاجي"، يرى ربيع أنه "يوجد هوة في المجتمع تتمثل بسؤال: لماذا أتزوج؟ وهل يتوجب علينا الزواج في عمر ال30؟ كيف يمكن ذلك وفي هذا العمر بالكاد نكون وجدنا عملاً، وقد لا يليق بطموحاتنا وأحلامنا . أحب الحرية ومزاجي، كما لا أتخيل أن أحرم نفسي من شيء، ولست مستعداً لأن أضحي وأتزوج وأنجب أولاداً وأقصّر بحقهم الزواج يعني منظومة اقتصادية مترابطة وهذا أرفضه" . تشير المعطيات إلى ارتفاع معدل "العازفين" عن الزواج لغايات متباينة، إذ أكدت دراسة أجرتها وزارة الشؤون الاجتماعية اللبنانية عام 2007 أن نسبة العزوبية لدى الذكور في الفئة العمرية ما بين 30 و34 عاماً تقدر ب5 .46 في المئة، وهي ترتفع تدريجيا نتيجة للتركيبة الديموغرافية للمجتمع اللبناني ما بعد الحرب، والأزمة الاقتصادية التي تتفاقم فرضت واقعاً اجتماعياً جديداً بات فيه معدل سن الزواج في لبنان الأعلى عربياً يبرر وائل (35 عاماً) عزوفه عن "الزواج" بإرادته . "مش فاضي للهم، ولخطوة تحتاج إلى مصاريف عديدة ما أُحصِله يكاد لا يكفي مصروفي" إضافة إلى أن غياب الاستقرار الوظيفي يشل قدرتك على التفكير بالحب الذي يعني ارتباطاً، فكيف يمكن أن أخطو هذه الخطوة، وأنا عاجز عن تدبير شؤون حياتي؟ . ويضيف: "لدى الفتاة متطلبات كثيرة . قبل عامين كنت على وشك أن أتزوج وكل شيء جرى على قدم وساق، فجأة اختل كل شيء لأنني لا أقدر على شراء شقة لها . تخلت عني وتزوجت بآخر غني، ما دفعني للعزوف عن الزواج" . بالمقابل لا يَعِنّ على بال داني (33 عاما) الزواج، "منذ 11 عاماً أعمل وحتى الآن لم أتمكن من الحصول على شقة، فكيف بالزواج؟ لذا أؤيد العزوبية إلى أن تتوفر حيثيات الارتباط من الأمان المادي والأمني والمعنوي . أكيد أنني لو كنت في بلد آخر لتزوجت من سنوات أضف إلى أن العمل الاجتماعي يحتاج إلى الكثير من الوقت فهو يسرقك من حياتك الخاصة" . الهروب من حجز الحرية أبرز بنود اتفاقية العزوبية" التي صاغوها على مقاسهم وأحلامهم المتعجرفة على "روحية المرأة" التي تحولت في نظرهم إلى "سلعة" يمكن مقايضتها على أحلامهم فمثلا مازن يفبرك مجموعة متطلبات لزوجة المستقبل البعيد "يجب أن تكون في مستوى علمي، معاشها يوازي معاشي، وأن تكون جميلة وذات أخلاق عالية وسمعة أهلها طيبة" إعجاز كبير يضعه كنوع من الهروب إلى الأمام، هذا فضلاً عن "أن غياب البيت والسيارة والوظيفة يحول دون ذلك . "أنا أملك وظيفة ولكن ينقصني الاقتناع بفكرة الارتباط بل أحيانا أعتمدها حجة" . للعزوبية مكانتها وفضاؤها وحريتها وحتى نظامها في نظر خالد (34 عاما) الذي اختار التمسك بها علانية، لأنها "المخلص لنا من التزامات المنزل، العائلة، وتبعات الأمر، يقرأ خالد في أبعاد قراره، الذي ارتأى عبره التفلت من قبضة التفكير ب"شريكة الأحلام" لأن البحث عن "وظيفة" أضحى مهماَ، وإن وجدت قد تكون غير كافية بتأمين مستلزمات شراء "شقة" وهذه كلها بنظرة على العلاقة، ولاحقا على الإنجاب، فضلاً عن الهموم التي ترافقنا في إدارة المملكة الزوجية" . تشير اختصاصية علم الاجتماع سارة بشير إلى أن "انشغال الشاب اللبناني بالهموم الاقتصادية وارتفاع أسعار الشقق السكنية ومستلزمات الزواج بات يبعده تدريجياً عن فكرة الزواج"، وتؤكد أنّ الضائقة الاقتصادية هي السبب الأساسي في تأخر سن الزواج وما يؤدي إلى إقامة علاقات مرفوضة .