هو "معجزة القرن العشرين"في الغناء والموسيقا، غنى ولحن فالتف حوله الرجال والنساء، ثم غنى للصغار فعشقه كل الأطفال، وغنى للعاشقين "طير بينا يا قلبي"فطارت معه قلوب مستمعيه، ليترك رصيداً هائلاً من الأغنيات والأفلام الغنائية، التي تعد من علامات الموسيقا والغناء والسينما، في تاريخ السينما المصرية والعربية، ما يجعلنا دائماً نتذكره بما قدمه من تراث فني بديع . ولد محمد فوزي عبد العال الحو، في 28 أغسطس/آب 1918 في قرية كفر أبو جندي التابعة لمركز "قطور"محافظة الغربية، حيث كان الابن الحادي والعشرين من أصل خمسة وعشرين ولداً وبنتاً، منهم المطربة هدى سلطان، التي لحقت به فيما بعد إلى القاهرة، غير أنه عارض أن تشتغل شقيقته بالفن والغناء، ولكنها أصرت على ذلك، فوقع بينهما خلاف استمر سنوات عدة حتى تزوجت من الفنان فريد شوقي فكان سبباً في إنهاء الخلاف بينهما . تعلم الطفل محمد الغناء على يد "رجل مطافئ"أحد أصدقاء والده، كان يعمل في فرقة موسيقا المطافئ، حيث كان يصاحبه للغناء لأم كلثوم وعبد الوهاب في أفراح القرية ومولد "السيد البدوي"بطنطا القريبة من قريتهم . تأثر فوزي بأغاني محمد عبد الوهاب وأم كلثوم، وصار يؤدي أغانيهما أمام الناس في حديقة المنتزه، وفي احتفالات المدينة بمولد السيد البدوي، لينال محمد الشهادة الابتدائية من "مدرسة طنطا"في ،1931 ويلتحق بمعهد الموسيقا العربية معهد فؤاد للموسيقا 1938 غير أنه لم يستمر في الدراسة لأكثر من عامين، ويخرج منه ليعمل في ملاهي "رتيبة وإنصاف رشدي«، قبل أن تغريه بديعة مصابني بالعمل في صالتها التي يتعرف فيها إلى فريد الأطرش، ومحمد عبد المطلب، ومحمود الشريف، وارتبط بصداقة متينة معهم، فاشتركوا معاً في تلحين الاسكتشات والاستعراضات وغنائها . بعدها التحق بفرقة "فاطمة رشدي"المسرحية . عندما بلغ محمد فوزي العشرين من عمره، تقدم إلى امتحان الإذاعة كمطرب وملحن، غير أنه رسب كمطرب، ونجح كملحن، لكن هاجس الغناء كان يطارده، لذا قرر إحياء أعمال سيد درويش ليظل في فرقة "فاطمة رشدي"كممثل بديل يغني أدوار سيد درويش، حتى جاءته الفرصة عندما تعاقدت معه الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقا ممثلاً مغنياً بديلاً عن المطرب إبراهيم حمودة في مسرحية "شهرزاد"لسيد درويش، ولكنه أخفق في العرض الأول، على الرغم من إرشادات المخرج زكي طليمات، وقيادة محمد حسن الشجاعي الموسيقية، الأمر الذي أصابه بالإحباط، ولاسيما أمام الجمهور الذي لم يرحمه، فاختفى فترة إلى أن عرضت عليه الممثلة فاطمة رشدي، التي كانت تميل إليه وتؤمن بموهبته، العمل في فرقتها ممثلاً وملحناً ومغنياً فلبى عرضها . في عام 1944 طلبه الفنان الكبير يوسف وهبي ليمثل دوراً صغيراً في فيلم "سيف الجلاد"ليغني فيه من ألحانه أغنيتين، غير أنه اشترط عليه شرطين أساسيين، الأول أن يختصر اسمه إلى "محمد فوزي"فقط بدلا من محمد فوزي عبد العال فوافق من دون تردد، والثاني أن يجري عملية تجميل في فمه لتصغير شفته العليا، وهو الأمر الذي استغرق وقتاً للتفكير فيه، غير أنه وافق عليه في النهاية، ويشارك في الفيلم، ويشاهده المخرج محمد كريم في فيلم "سيف الجلاد«، وكان يبحث عن وجه جديد ليسند إليه دور البطولة في فيلم "أصحاب السعادة"وكان نجاحه في الفيلم كبيراً وغير متوقع ويصبح وجهاً سينمائياً "خفيفاً"مدعوماً بموهبة الصوت الجيد واللحن المميز، ساعده هذا النجاح على تأسيس شركته السينمائية التي حملت اسم أفلام محمد فوزي في عام ،1947 وخلال ثلاث سنوات استطاع فوزي التربع على عرش السينما الغنائية والاستعراضية طوال الأربعينيات والخمسينيات . دخل فوزي بعد ثورة يوليو 1952 الإذاعة بأغانيه الوطنية كأغنية "بلدي أحببتك يا بلدي«، والدينية مثل "يا تواب يا غفور"و"إلهي ما أعدلك"وأغاني الأطفال مثل "ماما زمانها جاية"و"ذهب الليل". اشترك فوزي مع مديحة يسري، وعماد حمدي، وشادية، وفريد شوقي، وهدى سلطان في رحلات قطار الرحمة التي أمرت بتسييره الثورة عام 1953 بين مديريات الوجه البحري والآخر القبلي، وقدَّم جانباً من فنه مع الفنانين الآخرين لمواساة المرضى في المستشفيات، وفي مراكز الرعاية الاجتماعية، كما قدم لون الأغاني الوطنية مثل "بلدي أحببتك يا بلدي«، ولحن "النشيد الوطني الجزائري". تربع "فوزي"على عرش السينما، وشاركته البطولة نجمات الأربعينيات والخمسينيات منهن شادية، ليلى مراد، صباح، فايزة أحمد، ليلى فوزي وغيرهن . أسس محمد فوزي شركة "مصر فون"لإنتاج الأسطوانات وفرغ نفسه لإدارتها وكانت ضربة قاصمة لشركات الأسطوانات الأجنبية، وأنتجت أغاني كبار المطربين في ذلك العصر مثل أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، وباع الأسطوانة الواحدة ب"35 قرشاً"بدلاً من "95 قرشاً"لأسطوانة الشركات الأجنبية، غير أن الحكومة قامت بتأميم الشركة عام 1961 وتم تعيينه مديرا لها براتب شهري 100 جنيه، ما أصابه باكتئاب حاد . تزوج فوزي ثلاث مرات، الأولى عام 1943 من السيدة "هداية"وأنجب منها ثلاثة أبناء هم: "نبيل، سمير، ومنير«، غير أنه انفصل عنها بعد تسع سنوات، ليتزوج للمرة الثانية في العام 1952 من "سمراء النيل"مديحة يسري وينجب منها أيضا ثلاثة أولاد مات منهم اثنان، وبقي "عمرو«، الذي توفي لاحقاً، وانفصل عنها أيضا بعد سبع سنوات، عاشا فيها قصة حب كبيرة، ثم تزوج من كريمة "فاتنة المعادي"عام ،1960 وأنجب منها ابنته الوحيدة "إيمان"التي بقيت معه حتى وفاته . برع محمد فوزي في تنوع ألحانه، حيث كان موهوباً في وضع لحن مميز لأي كلمات تسند إليه لتلحينها، لدرجة أن خبراء الموسيقا قالوا: "إنه يستطيع أن يلحن أي كلمات حتى فاتورة البقال«! الأمر الذي جعل ألحانه تتميز بالخفة والحفاظ على رونقها وشبابها حتى يومنا هذا، ويكون "أول مطرب يغني للأطفال"مثل "ماما زمانها جاية"و"ذهب الليل وطلع الفجر«، وكان يسعى لأن يصل بالغناء والموسيقا المصرية إلى العالمية وأن تتردد ألحانه على كل لسان في العالم، فقد كان يرى نفسه الأفضل في الغناء والتلحين، إلا أنه وصف حاله في التمثيل قائلاً: "بحس نفسي تقيل قدام الكاميرا". في ظل هذا النجاح والعبقرية المتدفقة ظهرت عليه علامات مرض، وحار الأطباء في تشخيصه، وخسر أكثر من "نصف وزنه"وتحول "لهيكل عظمي"لا يقوى على الحراك، وأطلق الأطباء الألمان على مرضه الغامض "مرض محمد فوزي«، وعرف لاحقاً بأنه "سرطان العظام«، غير أنه لم ييأس من رحمة الله فقد كان متصالحاً مع نفسه ويردد وهو على فراش الموت: "أنا عارف إن نصيبي بعدين هيبقى كويس". وكغيره من العباقرة الذين ماتوا صغارا، رحل عبقري الموسيقا والغناء في 20 أكتوبر/تشرين الأول 1966 عن عمر "48 سنة«، تاركاً خلفه 36 فيلماً من أمتع وأروع ما قدمت السينما الغنائية العربية، وأكثر من 400 أغنية، قدم منها ما يقرب من 300 أغنية سينمائية، كما ترك صرحاً شامخاً للدولة يقوم على إنتاج وتصنيع الأسطوانات الغنائية، الذي تحول إلى شركة "صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات«، والأهم أنه ترك "ابتسامة"كبيرة على شفاه كل من يستمتع بفنه من كبار وصغار، ليرحل بعد رحلة طويلة مع المرض في ألمانيا أثناء تلقيه العلاج . من أهم أفلامه: "سيف الجلاد"عام ،1944 "قبلة في لبنان"،1945 "أصحاب السعادة"و"مجد الدموع وعدو المرأة"في ،1946 "قبلني يا أبي"و"عروسة البحر"و"صباح الخير"و"العقل في إجازة"في ،1947 "صاحبة العمارة"و"حب وجنون"و"نرجس"و"الروح والجسد"و"بنت حظ"في ،1948 "المرأة شيطان"و"المجنونة"و"فاطمة وماريكا وراشيل"و"صاحبة الملاليم"في ،1949 "بنت باريز"و"آه من الرجالة"و"غرام راقصة"و"الزوجة السابعة"في ،1950 "الحب في خطر"و"نهاية قصة"و"ورد الغرام"في ،1951 "من أين لك هذا"و"يا حلاوة الحب"في ،1952 "ابن للإيجار"و"فاعل خير"في ،1953 "دايما معاك"و"بنات حواء"في 1954 .