على الرغم من أن الاتفاق بين الجمهوريين والديمقراطيين حول الهاوية المالية جنّب أميركا سياسة تقشف قاسية، إلا أنه أجّل الأزمات ولم يحلها. فالبطالة تزداد ارتفاعًا وسقف الدين لم يرفع، ما ينذر بكوارث تضرب الاقتصاد الأميركي بعد شهرين. لا شك في أن الاتفاق الذي مرّره مجلس الشيوخ في وقت مبكر من يوم أمس سيدرأ أخطر التأثيرات المتعلقة بالهاوية المالية الأميركية بتحاشيه جرعة قويّة من التقشف، إلا أن الاقتصاد ما زال معرضًا لتهديدات وشيكة وأخرى على المدى البعيد. وقد فشل هذا الاتفاق، الذي تم التوصل إليه بعد بضع ساعات فقط على بلوغ الحكومة الحد الأقصى الخاص بالاقتراض الفيدرالي، في إبعاد احتمال التعرض لتعثر قومي كارثي بعد شهرين من الآن. وأوضحت صحيفة واشنطن بوست الأميركية في هذا السياق أن الاتفاق لم يرفع سقف الدين، سامحًا لوزارة الخزانة باستخدام تدابير استثنائية طالما كان بوسعها دفع فواتير الحكومة. ثم قالت الصحيفة إن رزمة المساعدات لم تفعل شيئًا على صعيد مواجهة المستويات المرتفعة للبطالة، مع 12 مليون أميركي عاطلين عن العمل. وأضافت الصحيفة أن هذا الاتفاق قد يتسبب بتفاقم المشكلة. فمن خلال السماح بانقضاء عملية خفض ضريبة المرتبات، سيقوم الاتفاق بسحب أموال من كثير من الأميركيين، وبالتالي التأثير على الاقتصاد، وإبطاء النشاط الاقتصادي. الخطر موجود يبدو الاتفاق في غاية التواضع، لدرجة أنه لن يكون قادرًا بشكل أساسي على ترويض ديون الحكومة المتزايدة. كما لا تزال الوضعية المالية للبلاد معرّضة للخطر، في وقت من المتوقع أن يتزايد فيه الإنفاق الفيدرالي بصورة كبيرة، في وقت سيلجأ فيه كثير من المتقاعدين من مواليد الأعوام بين 1946 و 1964 إلى الحكومة لمساعدتهم في تحمّل تكاليف رعايتهم الصحية. ونقلت واشنطن بوست عن مايكل فيرولي، كبير الخبراء الاقتصاديين الأميركيين لدى جي بي مورغان تشايس، قوله إن الاتفاق إجراء موقت على الأكثر. وتابع فيرولي: "ما زلنا نتعرض لبعض التباطؤ في النمو بسبب الارتفاعات الضريبية، وأتوقع أن يسبب هذا الاتفاق تقلص النمو الهش بنسبة واحد بالمئة، والأسوأ هو أن أوجه العجز لا تزال كبيرة". لا تعويض للثقة قال فينسينت رينهارت، كبير الخبراء الاقتصاديين الأميركيين لدى مورغان ستانلي، إن الاتفاق لم يخفف حتى من قلق الشركات أو المستهلكين، ذلك لأنه على الرغم من كل الجهود التي بذلت، فإنه لم يتم حل عدد كبير من التحديات الاقتصادية حتى الآن. وأكمل رينهارت حديثه بالقول: "هناك سحب مالي فوري، ولا تعويض للثقة المفقودة، نظرًا لأن حالة الشك من الناحية المالية لا تزال قائمة حتى اللحظة". وعلى الرغم من كل هذه العقبات، أكدت الصحيفة أن هذا الاتفاق الذي وافق عليه الحزبان الجمهوري والديمقراطي ربما يكون أثقل مهمة تمكن الكونغرس المنقسم من إنجازها. مفاعيل إيجابية من المحتمل أن يَحول هذا الاتفاق دون عودة البلاد إلى موجة الركود، وأن يلغي زيادات ضريبية كبيرة تواجه المواطنين الأميركيين المنتمين إلى الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، فضلًا عن تأخيره تخفيضات عميقة وحادة في الإنفاق الحكومي لمدة شهرين. وبينما يبقى الاتفاق عاجزًا عن خفض معدل البطالة، فإنه جاء ليجدد فوائد تلك المشكلة التي لولا هذا الاتفاق كانت ستنقضي، من خلال تقديمه مساعدات حيوية للأشخاص العاطلين عن العمل، وتلاشي توجيه ضربة أخرى للنشاط الاقتصادي. وبتجميعه ما يزيد بقليل عن 600 مليار دولار في صورة عائدات ضريبية جديدة من الأثرياء، خطا الاتفاق خطوة أخرى باتجاه إحداث توازن بين الإنفاق والضرائب خلال السنوات القليلة المقبلة، على الرغم من تأكيد الاقتصاديين ضرورة القيام بالكثير على المدى البعيد. هذا وقد سبق للرئيس باراك أوباما أن سعى إلى إتمام اتفاق أكبر بغية زيادة الضرائب بقيمة تزيد عن ضعف ما حصل عليه في الاتفاق الحالي. كما سبق له أن طلب اتخاذ تدابير لحوافز اقتصادية جديدة تساعد في خفض معدل البطالة، بما في ذلك تمديد عطلة ضريبة المرتبات.