في العام ،1985 أي قبل سبعة وعشرين عاماً، رحلت بصمت في إحدى ضواحي بيروت، شخصية فنية لبنانية لم يعرف لبنان لها نظيراً، إلى درجة أن البعض كان يحار في تصنيفها . إنه الملحن العبقري والممثل الفكاهي الموهوب فيلمون وهبي . بدأ اسم فيلمون وهبي يتردد في عالم الفن في المشرق العربي بين لبنانوفلسطين وسورية بشكل خاص، قبل انتصاف القرن العشرين . وكانت تلك السنوات هي سنوات الظهور المبكر للفن الاذاعي حيث تأسست وظهرت إذاعات القاهرةوبيروت والقدس والشرق الأدنى ودمشق، بين الثلاثينيات والاربعينيات . كما حدث مع أكثر من فنان عربي، فقد اكتشف فيلمون وهبي موهبته كمغن ومطرب، قبل اكتشاف مواهبه الأخرى . فكان يتردد إلى مسارح فلسطين يؤدي الأغنيات الفولكلورية المشرقية، إضافة إلى مواويل وأغنيات محمد عبدالوهاب الشائعة . غير أنه سرعان ما اكتشف فيلمون وهبي في نفسه موهبة التلحين، فانضم إلى رعيل مؤسسي الأغنية اللبنانية في عقد الأربعينيات إلى جانب سامي الصيداوي، ونقولا المني . وكان أولئك المؤسسون من الجيل الأول الذي سبق ظهوره الفني الجيل الثاني الذي لمع في الخمسينيات مثل الأخوين رحباني وزكي ناصيف وتوفيق الباشا وسواهم . تخصص فيلمون وهبي أولاً بالتلحين للأصوات النسائية المبكرة مثل حنان ونجاح سلام وصباح، إلى أن أصبحت الحانه تسري بين جماهير المستمعين اللبنانيين والعرب سريان النار في الهشيم، فاقترب من موهبته التلحينية الغزيرة الأخوان رحباني، خاصة بعد أن بدءا ينتجان في كل عام تقريباً مسرحية غنائية جديدة لفيروز، بعد رحلتهما الشهيرة إلى القاهرة، التي تعرفا فيها إلى مسرحيات سيد درويش، واستمعا إليها جيداً . كانت حصة فيلمون وهبي في مسرحيات فيروز لحناً واحداً تغنيه فيروز، بعد أن أصبحت تعتبر مطربة لبنان الأولى . في هذا الوقت أخذت كل الأصوات الرجالية الكبيرة في لبنان تقترب من فيلمون وهبي، للتزود بألحانه، مثل المطرب الكبير وديع الصافي ونصري شمس الدين وسواهما . سرعان ما أصبح فيلمون وهبي يتميز بين كوكبة زملائه الملحنيين الكبار أنه من أكثرهم غزارة، وأنه يتميز بينهم (مثل زميليه سامي الصيداوي ونقولا المني) بعدم الاقتراب من الموسيقا الغربية أو التأثر بها بتاتاً، حتى شبهه بعض النقاد بعبقري اللحن العربي في مصر زكريا أحمد، الذي كان يشبهه في غزارته وأصالته الصافية . في المقابل، من اقترب من فيلمون وهبي شخصياً، عرف أن العبقرية الكوميدية لديه لم تكن تظهر كما في حياته الشخصية، وكان ذلك واضحاً خصوصاً لمن عرفه عن قرب، وقضى معه أكثر من سهرة فنية خاصة . ظاهرة أخرى تميزت بها شخصية هذا العبقري متعدد المواهب، هي اهتمامه الحار بقضية فلسطين، وذلك لم يكن من باب التحليل السياسي، بل من باب السنوات الخصبة التي قضاها في فلسطين قبل نكبتها، أيام شبابه الأول . وقد ظل ارتباط فيلمون وهبي حاراً بالقضية الفلسطينية كأنه واحد من أبنائها المخلصين، وكان ذلك يبدو جلياً واضحاً في كل مناسبة، وخاصة عند وقوع هزيمة 1967 . وكان لا يتردد في إظهار هذا الارتباط حتى لو كلفه ذلك غالياً في علاقاته الخاصة أحياناً . ويكفي لاظهار القيمة الفنية اليانعة لهذا الفنان العبقري، أن نذكر انه ليس هناك في أغنيات المطربة الكبيرة فيروز ما ينافس ألحان الأخوين رحباني، أكثر من ألحان فيلمون وهبي، التي ينسب البعض هذه الألحان إلى الرحابنة، بما أن الاذاعات العربية، وحتى اللبنانية، قلما تكلّف نفسها عناء ذكر اسم الملحن، وتكتفي بذكر اسم المغني أو المغنية.