مواضيع ذات صلة عبدالزهرة الركابي يبدو أن مقولة السياسة مصالح تتأكد مرة أخرى، وقد تكون زيارة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي السريعة وليوم واحد إلى الأردن، هي نقلة نوعية في مسار العلاقات القائمة بين العراقوالأردن، وهي العلاقات التي شهدت عملية شد وجذب، بعدما كانت وثيقة في عهد النظام العراقي السابق، وقد برزت بين الحين والآخر مشكلات بين البلدين، أعادت العلاقات بينهما إلى التوتر، كما فعلت زيارة رئيس الحكومة السابق في الأردن معروف البخيت إلى إقليم كردستان العام الماضي التي اعتبرتها بغداد مؤشراً سلبياً على حال العلاقات . وتكمن نوعية هذه الزيارة ودلالاتها، في أن بغداد تسعى إلى الحفاظ على مستوى جيد من العلاقات مع عمان، عبر طرق مختلفة، وربما يكون الطريق الاقتصادي هو الأهم والذي يرتاح إليه الأردنيون، حيث جسدت هذه الزيارة استعداد العراق لتزويد الأردن بالنفط على أن يكون بأسعار تفضيلية، وكذلك تصدير النفط العراقي عبر الأراضي الأردنية، وهذا ما تجسد بالفعل، عندما أسفرت الزيارة عن إبرام اتفاقية شاملة تم توقيعها بين رئيسي الحكومتين العراقيةوالأردنية، تضمنت مد أنبوب نفط عبر خليج العقبة بطاقة مليون برميل يومياً، إلى جانب مد أنبوب غاز، وعلى هذا المنحى من المفيد الإشارة إلى أن العراق قام في وقت سابق بمنح الأردن 100 ألف برميل نفط هدية إلى الشعب الأردني . يُذكر أن رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي بحث مع رئيس الحكومة الأردنية عبدالله النسور خلال اجتماعين، الاتفاقات المبرمة بين البلدين في مجالات النفط والنقل والتجارة والزراعة، كما التقاه الملك الأردني عبدالله الثاني، ودار البحث بينهما في العلاقات الثنائية بين البلدين، كما ترأس المالكي في هذه الزيارة الجانب العراقي في اجتماعات اللجنة العليا الأردنية - العراقية المشتركة في دورتها السابعة التي بحثت عدداً من القضايا الاقتصادية، إضافة إلى سبل تعزيز التعاون في المجالات السياسية والتجارية والاستثمارية والطاقة والثروة المعدنية والمالية والنقل والزراعة وغيرها من القضايا التي تهم البلدين . وقد بلورت الزيارة تقارباً عراقياً أردنياً أفضى إلى قيام الأردن بعملية إعادة تموضع في أكثر من اتجاه، وأن عمان انجذبت إلى هذا التقارب بفعل عاملين: الأول اقتصادي متمثل في السنوات التي مضت التي تكبّد الأردن خلالها أعباء فواتير الطاقة بالأسعار العالمية التي أرهقت الخزينة والاقتصاد اللذين تعوّدا النفط العراقي الرخيص حتى الاحتلال الأمريكي في ،2003 حيث اتفق الجانبان على المشروع العراقي الكبير لمدّ أنبوب نفط (بطاقة إنتاج تساوي مليون برميل يومياً) إلى ميناء العقبة، بما يضمن زيادة مؤثرة في الصادرات النفطية العراقية في ظروف آمنة، وسيحصل الأردن على احتياجاته النفطية من هذا الأنبوب . ويقول المحللون تعليقاً على الجانب الآنف، هو أكثر من أنبوب نفطي بكثير، وأكثر من طريق دولي للصادرات والواردات، إنه ما يستلزمه الأنبوب والطريق من تفاهم استراتيجي على ضمان إغلاق الخلفية الإقليمية للانشقاق الطائفي للمنطقة الغربية العراقية، ووقف التمرد العشائري على الحكومة المركزية في بغداد، وقطع طريق الإرهاب، والتوصل إلى تفاهمات جيوسياسية تؤمن البوابة العربية التقليدية للعراقيين . هكذا، يمكن إعادة اكتشاف الأهمية الاستراتيجية للتقارب الأردنيالعراقي، سواء من وجهة نظر بغداد كما هو واضح، أو من وجهة نظر عمان من خلال حقيقتين: أولاهما أنه لا يمكن الركون إلى دعم اقتصادي آخر، فعال وثابت ومستقرّ، وثانيتهما أن أي منطقة جغرافية ولوجستية أخرى، لا تمثّل عمقاً استراتيجياً للكيان الأردني، بقدر ما تمثّل مصدراً للضغوط السياسية والأمنية، بينما يعد العراق جغرافياً ولوجستياً العمق الاستراتيجي للأردن، بل إن العلاقات مع العراق هي علاقات تكامل اقتصادي جوّانية، تقوم على الاعتماد المتبادل والمصالح المتبادلة، وتتفاعل داخل البلدين والاقتصادين والمجتمعين . وبالنسبة للعامل السياسي، فإن حديث الملك الأردني في الفترة الأخيرة كان عبارة عن بدء مرحلة الخروج عن الصمت، بعدما كشف عن وجود خيارات أخرى لدى الأردن، وأن عمان تملك أوراق ضغط ستستخدمها في الوقت المناسب، وربما يكون التقارب العراقيالأردني السريع والمدموغ بطابع اقتصادي، هو واحد من الخيارات التي لجأت إليها عمان، مع التنويه إلى أن بغداد كانت عرضت المشروع الاقتصادي في حقيقة الأمر قبل بضعة أشهر على عمّان التي اعتذرت حينها، بسبب خشيتها من أن يؤثر سلبياً في علاقاتها مع بعض الأطراف في المنطقة، بيد أنه ليس هناك عداوات دائمة بل هناك مصالح دائمة، كما يقول أهل السياسة . إذاً، التعاطي مع الملف السوري بآلية قد تختلف عن السابق، هو من مهمات الدور الأردني الجديد، خصوصاً أن مصدراً دبلوماسياً بريطانياً حذر من خطر قيام المتطرفين بعمليات في الأردن، ولا شك في أن هذا يرتبط بالملف المذكور، كما لا ننسى أن واشنطن أعلنت (جبهة النصرة) التي يُعتقد أنها امتداد ل "القاعدة" تنظيماً إرهابياً .