إن حب المسيح وأمه الطاهرة يسكن في أعماقنا, بعد أن تفرد القرآن الكريم بذكر قصته بتفصيل بين ومدهش, وبأسلوب معجز جميل وجليل. إنني أنتهز هذه المناسبة الجليلة لأبعث بتهنئة إلي رفيق طفولتي رأفت عدلي, الذي لا أعلم أين هو الآن, فقد افترقنا منذ زمن بعيد, وبالتحديد في أثناء شتات هزيمة يونيو1967, حيث كنا نسكن في الفردان إحدي ضواحي الإسماعيلية, المطلة علي قناة السويس, لم نكن نفترق علي الإطلاق. كانت بيوتنا واحدة, وأسرتنا واحدة, وطعامنا واحد, وكان عم عدلي بمثابة أبي, أذكر أنني كنت أصطحب معي رأفت إلي المسجد, نتسلل بين المصلين ونصعد إلي المئذنة لنؤذن, فلم ينهرنا شيخ أو مصل, ولم يقل لي أبي يوما إن رأفت علي غيردينك, فلا تصحبه إلي المسجد. الجميع تركنا في براءة طفولتنا, في تعبير بليغ عن مساحة المحبة والتسامح التي كانت سائدة في هذا الزمن. آخر مرة رأيت فيها رأفت يوم5 يونيو1967 عندما اختبأت الأسرتان في خندق واحد, هربا من جحيم الحرب, لن أنسي نظرات الذعر في عينيه, ولن أنسي وجه أمه وهي تحتضنني لتبدد ذعري أيضا. سقي الله هذا الزمن الجميل الذي مرمن هنا. كل عام ومصر بمسيحييها ومسلميها بخير.. ببركة الأنبياء الذين زاروها وأقاموا بها, ودفنوا في ثراها الطيب, وببركة العائلة المقدسة التي لجأت إليها هربا من الحاكم الروماني, فوجدت الأمان والحماية والرعاية, فحظيت مصر بمباركة المسيح في مهده. كل عام ومصر باقية كما عاشت وطنا للجميع, لا تفرق بين أحد من أبنائها, نحتفل بأعيادها معا, برغم فتاوي الفتنة التي تحرم تهنئة غير المسلمين بأعيادهم, في اعتداء صريح علي طبيعة المصريين المتسامحة والمحبة, وعلي تعاليم الإسلام الصحيحة. إن طريق الآلام الذي مشاه المسيح, تمشيه أيضا الشعوب في سعيها إلي الحياة الكريمة, وإن يهوذا الذي سلم المسيح لليهود مقابل ثلاثين فضة, مازالت ذريته موجودة تبيع أهلها ووطنها, بالعملات الحديثة التي تفوح منها رائحة كريهة. في الختام: يقول برنارد شو: إن اتباع محمد أوفر أدبا في كلامهم عن المسيح.