من يتصفح اليوم جريدة "الثورة" يجد عجب العجاب، إذ يكفي النظر لعناوين الصفحة الأولى ليكتشف التناقض الواضح في الرؤى تجاه الواقع والمستقبل المنظور للوطن والذي لا يبشر بخير، فالتغطية الخبرية لتحركات ونشاط رئيس الجمهورية تصف الأحداث المؤسفة التي مرت بها البلاد منذ مطلع العام الماضي 2011م ب"الأزمة"، بينما المساحات الأخرى التي تتناول نشاط رئيس مجلس الوزراء المنشورة في نفس الصفحة من الصحيفة تصف الأحداث التي عادت بالوطن إلى الخلف عشر سنوات على الأقل ب"الثورة" التي أزاحت رأس النظام داعية قواعدها الحزبية لمواصلة المسيرات والاعتصامات وكل ما أسمته الفعل الثوري!! حتى تكتمل الثورة بمحاكمة النظام السابق من رأسه وحتى أصغر عضو فيه، بما في ذلك حل المؤتمر الشعبي العام ومنع قاداته التي قد تنجو من السجن من مزاولة العمل السياسي مدى الحياة!!. وعلى هذا الأساس نجد الوزراء في حكومة الوفاق الوطني المحسوبين على المعارضة يسعون إلى التصعيد والتحريض والإساءة لنظرائهم الوزراء في حكومة باسندوه المحسوبين على المؤتمر الشعبي العام وحلفائه، ولعل أبسط مثال على ذلك نجده في التصريحات النارية التي يطلقها كل من صالح سميع وزير الكهرباء وحورية مشهور وزيرة حقوق الإنسان، ففيها من العدائية والاتهامات المبطنة للمؤتمر الشعبي العام وقياداته التاريخية ما يكفي من الحقد والضغينة متجاهلة إسهاماتها في تحقيق الوحدة اليمنية كأشرف غاية وأسمى هدف، بالإضافة إلى دورها الواضح في الاكتشافات النفطية وإشاعة الحرية والديمقراطية والتعددية الحزبية والشروع في بناء الدولة المدنية الحديثة رغم الأخطاء التي صاحبت تلك المسيرة والتي لا ينكرها أحد حتى النظام نفسه، لكنها لا تكاد تذكر أمام المكاسب التي تحققت للبلاد طوال الثلاثين عاما الماضية على الأقل. ولعل تسليم السلطة عبر الانتخابات الرئاسية المبكرة التي جرت مؤخرا في 21 فبراير وتحقق بموجبه التداول السلمي للسلطة يعد هو الآخر من مكاسب بناء اليمن الجديد الذي يحسب لعهد الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وتلك شهادة للتاريخ وتبيان الحقائق التي باتت مغيبة عن عمد بفعل التحيز الضيق لأشخاص بعينهم وولاء القبيلة والانتماء المذهبي، ذاك "الثالوث" الأعمى الذي ظل طوال تاريخه المخزي يسعى إلى السلطة لكن دون جدوى، وعندما وجدها فرصة سانحة بفضل "الربيع العربي" الذي أحدث تغييراً مدفوع الأجر من الامبريالية العالمية بدليل تولي الأنظمة المغلقة والمحافظة التي تمتلك الذهب الأسود في الوطن العربي مهمة التغيير في الجمهوريات، وذاك لعمري من عجب العجاب لكنه يندرج ضمن المخطط "الصهيو أمريكي" المسمى ب"الشرق الأوسط الجديد"، إذ ركبت المعارضة الموج واستغلت تظاهرة الشباب المستقلين الذين نزلوا إلى الساحة بداية الأمر للمطالبة بالإصلاحات ومكافحة الفساد لتغير مسار تلك المطالب مستعينة بكوادرها الحزبية والقبلية التي طغت على الساحات وكممت أصوات الشباب في وقت مبكر، لتنجح في قطف ثمار مزايدتها بالمشاركة في السلطة وتولي أهم الوزارات في حكومة باسندوه المحسوب على المشترك، ومع ذلك ها هي المعارضة الشريك في السلطة لا زالت تواصل تلك المزايدات وتوعز للشباب البقاء في الساحات حتى تكتمل مطالبهم غير عابئة للمبادرة الخليجية وآليتها المزمنة التي ارتضت بها ولا للحصانة التي نالها الرئيس السابق ومن عمل معه!، بل لقد قام رئيس الوزراء محمد سالم باسندوه بمد الشباب المعتصمين بخمسين مليون ريال كي يظلوا في مكانهم وكي تظل الفوضى قائمة!، غير عابئ بمصلحة الوطن الذي يعاني من وضع أمني واقتصادي صعب غبر عابئ بموقف الدول المانحة التي ربطت تدفق المساعدات المالية التي وعدت بها بمقدار ما يتحقق من مصالحة وإنهاء مظاهر الأزمة التي تكاد تعصف بالبلاد... فهل يعي المبعوث الأممي جمال بن عمر الذي يزور بلادنا حالياً بما يحدث على الساحة من دسائس ومن هي الجهة التي لا تسعى إلى الانفراج وتطبيع الحياة في أوساط الشعب المغلوب على أمره؟!!..