ما بين الأمس واليوم خراب ودمار وشرخ في جدار الوحدة وندوبا في النفس لن تمحى نتيجة المأساة التي حلت بالوطن الذي دار في الشوارع والأزقة والحارات بالعاصمة ومختلف المحافظات طمعاً في الحكم والاستحواذ على السلطة بالقوة. فمنذ نشوب الأزمة السياسية مطلع العام 2011م وتفجر الأوضاع التي قادت إلى التدويل والوصاية الدولية أو الوطن يئن من جور ما أصابه من جراح.. فبعد مضي أكثر من عشرة أشهر على حكومة الوفاق الوطني واعتلاء المعارضة عرش السلطة التنفيذية بدأً برئاسة الوزراء وانتهاء بتوليها جل الحقائب السيادية.. إلا أن الأوضاع ظلت كما هي وأحوال المواطن لا تسر، إذ بلغت نسبة الفقر 54% وقفزت نسبة البطالة في أوساط الشباب إلى 60% حسب تقرير حديث أعده البنك الدولي، كيف لا والاستثمار قد غادر المكان والتدهور الأمني لا زال مستمر والتقطع في الخطوط الطويلة لا زال قائم والنهب والسلب في الشوارع والأحياء لا زال على حاله وخطر القاعدة وتوسع نشاطها الإرهابي صار أقوى والفساد لا زال ينخر داخل مختلف الأجهزة الحكومية وبصورة أشد من ذي قبل نتيجة المحاصصة التي مكنت أكثر من فاسد كي يتولى حقيبة وزارية أو مؤسسة حكومية خصوصا أولئك المحسوبين على الشيخ المغامر أو الجنرال المنشق ممن تنكروا للمؤتمر الشعبي العام وفروا من صفوفه كي ينالوا الرضى من أسيادهم الجدد طمعا في مناصب توكل إليهم وتمكنهم من مواصلة الفساد الإداري ونهب المال العام وتخريب الوطن والشواهد على ذلك كثيرة إذ لا يخلوا يوم من تناقل وسائل الإعلام لفضائح فساد أبطالها أما باسندوه الذي أنكر استلامه الحكومة وخزينة الدولة زاخرة بخمسة مليار دولار، أو صالح سميع أو صخر الوجيه أو الأشول أو قحطان وغيرهم من وزراء الإصلاح والمشترك الذين استغلوا مناصبهم الجديدة للتنكيل بمن لا ينتمي لأحزابهم بالتهميش والإقصاء والانتفاع من وراء الكراسي ماديا وحزبيا وقبليا، فأوكلت المشاريع للأقارب والأصدقاء بعيدا عن المناقصات وطمعا في العمولات التي تقدر بآلاف الدولارات.. كالذي قام به وزير الكهربا صالح سميع والذي أقدم على شراء الطاقة من وزير آخر يعمل بالتجارة بدون مناقصة رغم أنف القانون كونه مسنود ممن قد تنخ له حتى رئاسة الجمهورية فما بالك من رئيس الحكومة الذي يكن لهذا الرجل فضل انتشاله من عالم النسيان ونوبات البكاء لأفول نجمه وخروجه من دائرة الضوء وإعادته على رأس الحكومة في خطوة لم يكن يتصورها أو حتى يحلم بها. وهناك وجه آخر لفساد هؤلاء المسؤولين خصوصا المنتمين لحزب الإصلاح ممن يستغلون مواقعهم في الحكومة لتحقيق مصالح ضيقة لا تخدم المصالحة الوطنية وبناء الوطن، فبعد أن قام وزير التربية والتعليم د. عبدالرزاق الأشوال قبل حوالي شهر بتعيين أكثر من 40 مديرا من حزب الإصلاح لإدارة مدارس بأمانة العاصمة وقيام هؤلاء باستبعاد عشرات المعلمين ممن لا يشاركونهم الانتماء الحزبي من جدول الحصص اليومي. هاهم جماعة الإخوان يكررون فعلتهم بالمؤسسة الأمنية، إذ قامت مؤخرا قيادات بوزارة الداخلية بأخذ 30 منحة دراسية إلى "السعودية" وتوزيعها على أبناء مسؤولين من الإصلاح دون إخضاع تلك المنح للمفاضلة حسب النظام حيث استفاد منها ابن مدير مكتب وزير الداخلية وابن وكيل وزارة الداخلية للشؤون المالية وابن مدير عام الشؤون المالية بالوزارة وابن مدير عام جوازات إب وابن القشيبي وغيرهم الكثير وكلهم من جماعة الإخوان!. وهاهو مؤتمر الحوار الوطني المزمع انعقاده برعاية دولية الشهر القادم يخضع لهيمنة الإصلاح من خلال ترجيح كفته بعدد الأعضاء الذين سيمثلونه في المؤتمر وإن بأساليب ملتوية مما قد يؤدي إلى فشله والعودة بالوطن إلى المربع الأول من الفوضى والاقتتال.. مما يجعل قطاع واسع من الشعب والكثير ممن نالتهم سياسة التهميش والإقصاء بأجهزة الدولة يحنون لعهد الرئيس السابق علي عبدالله صالح لاعتقادهم أنه ما كان لهذه الأوضاع المزرية أن تصل إلى ما آلت إليه لو كان لا يزال على رأس السلطة.