مفترض ان الإعلام الرسمي وغيره يبدأ في خوض حوار عميق ازاء مجمل القضايا المطروحة أمام مؤتمر الحوار، بدلاً من اكتفائه بالتغطية الخبرية وبعض اللقاءات التي لا ترقى إلى مستوى الحوار. إن ذلك يمثل تعبيراً واضحاً عن قصور مهني وتصور خاطئ لطبيعة دور الإعلام الذي ينبغي ألا يقتصر على التغطية الخبرية، بل يتجاوز ذلك إلى قيامه بخوض غمار حوار مواكب لمؤتمر الحوار وبالصورة التي تفتح آفاقاً اكبر للحوار الوطني، وجعل الجمهور اليمني العريض يتابع بعمق كل المجريات ويحصل على كل المعلومات كحق له، يفترض على مختلف الوسائل ان تحترم هذا الحق وان تمكن من الحصول على المعلومة بمختلف الطرق والأساليب الإعلامية. ولعل ما يؤكد حالة القصور المهني الإعلامي هو ان المتابع للتلفزة اليمنية الرسمية منها والخاصة يجدها ما زالت تعاني من افتقار حاد للاستديو التحليلي الذي يدار بمهنية عالية ويحاور كوكبة من المتخصصين والاكاديميين والسياسيين بصورة عميقة، ناهيك عن الافتقار الملحوظ على صعيد التقارير الإعلامية المزودة بالمعلومة والصورة الكاملة للموضوعات التي ينبغي مناقشتها.. ولا شك أن هذا الحال يندرج ايضا على صعيد الصحافة التي نجد معظم اهتماماتها تصب في الحصول على الخبر وتحقيق السبق دون أن تفتح صفحاتها لحوارات عميقة مع قضايا ملتهبة تحاول من خلالها مواكبة الحوار أو حتى استباق تفاعلاته. وعلى كل حال فإن الإعلام الجماهيري بمختلف وسائله ما زال الوقت أمامه لإعادة ترتيب خرائطه البرامجية ذات العلاقة بالحوار وتقديمه لتفاعلات اعلامية جماهيرية حقيقية تعزز من الحوار وتنشر المزيد من الوعي بقضاياه ومشكلاته، وتقدم الصورة الواضحة والجلية لطبيعة الصعوبات التي ستواجه الحوار وتكشف من يمارسون سياسة الانسدادات على صعيد قنواته المختلفة، ذلك ان حدث الحوار يمثل حدثاً تاريخياً بامتياز وينبغي على الإعلام ان يكون عند هذا المستوى التاريخي، وأن يسجل لنفسه حضوراً فاعلاً يشار إليه بالبنان ويجعل منه أحد العوامل التي ساعدت بمهنية ومسؤولية وطنية على انجاح الحوار وتحقيق الاصطفاف الشعبي العارم حوله. وهذا لن يتأتي للإعلام اليمني ما لم يتخل صراحة عن ممارسة المزايدة السياسية والإعلامية، ولا يكون أبواقاً تخدم توجهات وأجندة حزبية ضيقة على حساب المصلحة الوطنية العليا. كما نأمل ألا يكون القصور المهني الراهن الذي يعتري النشاط الإعلامي إزاء الحوار نتيجة لهذه التخندقات الحزبية، والتي قد تجعل من نشاطه يقع أسير العديد من القيود الحزبية التي ترى في التفاعل والألق الإعلامي خطراً على مصالحها. آمال كبيرة ما زلنا نتطلع من اعلامنا اليمني أن يعمل على بلورتها في حراك إعلامي، يسجله التاريخ كدروس لكل من يرغب في دراسة وتعلم مهنة الإعلام والرأي العام.