بقدر ما خسر " عثمان الصلوي " نفسه وإنسانيته وأضاف إلى سجل الفئة التي ينتمي إليها رزية أخرى، فإنه في الوقت نفسه قد أضاف دليلاً آخر على أن سلوك الانتحاريين وممارساتهم الوحشية بحق أنفسهم والآخرين ليست بمعزل عن ثقافة الحاكمية التي يدعيها لأنفسهم أرباع الفقهاء أنصاف الآلهة، الذين يطلون علينا بين الفينة والأخرى بفتاوى التكفير والتفسيق والمناداة بالعودة إلى كهنوت يشبه ما خاضت فيه سلطة الكنيسة في أوربا خلال عصور القارة الأشد جهالة وظلامية . الصلوي الذي استهدف موكب السفير البريطاني منتصف الأسبوع الماضي في صنعاء من خلال تفجير نفسه في حادثة أسفرت عن مصرعه وإصابة ثلاثة مواطنين شاءت الأقدار تواجدهم على مقربة من ساحة الجريمة، كان مدفوعاً- بالتأكيد- بهاجس الجهاد وطلب الاستشهاد، وبالنظر إلى صغر سنه كونه في بداية العشرينات من عمره فإن الثقافة التي جعلت منه مجرماً متمرساً وإرهابياً نشطاً حدّ استرخاص نفسه ومن حواليه في سبيل مطاردة وهم الشهادة الكاذب، لم يكن لها أن تخلق منه هذا الذي بدا عليه لولا أن كهنتها وسدنة معابدها قد صوروا لهذا الغلام أن ما يفصله عن الفردوس الأعلى ليس سوى الإتيان على نفسه بذات الطريقة الوحشية التي ظهر عليها، والمؤكد أنهم ضمنوا له الجنة وأعطوه صكاً بالغفران ينفذ به من نار الدنيا إلى نعيم الآخرة عبر القطار السريع !!. من ينقذ أمثال هؤلاء الصبية المغرر بهم من براثن سدنة الانتحار وأعداء الإنسانية إذاً؟!!.. وطالما قد ثبت أن إشكالية الإسلاموية السياسية بشقيها الحزبي والجهادي ليست بمنأى عن صنع البيئة الحاضنة للإرهابيين، فإن مهمة فضحها وكشف زيفها وانحرافها عن جادة الإسلام الحق تكمن صعوبتها في أن من يعول عليهم من الفقهاء وعلماء الشريعة لم يزل الكثير منهم على ذات المرجعيات المتطرفة المسؤولة عن فاعلية الإرهابيين في الواقع العملي تحت مسمى الجهاد، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما هيئة الفضيلة في بلادنا من ذلك ببعيد . وبالتذكير بآخر ما صدر عن بعض جماعة يسمون أنفسهم بالعلماء من مطالب أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها رجعية ومتطرفة، وخوضهم فيما لا دخل لهم فيه يمكن القول باطمئنان أن هؤلاء النفر من خلال وصفهم لمظاهر طبيعية من أنشطة الحياة المدنية في اليمن بالمنكر الواجب إزالته يضعون الإرهابيين أمام أهداف انتحارية أكثر حيوية واتساعا، وربما سنشهد قريباً عمليات انتحارية تستهدف شرطيات أو مجموعة فتيات خلال مهرجان أو نشاط رياضي، أو ربما تدوي انفجارات في البنوك التجارية ومؤسسات المجتمع المدني، وكل ذلك بمباركة هذا النفر ممن يسمون أنفسهم بالعلماء.. إذاً أليس من الواجب الآن ودرءاً للمفسدة الأخذ على أيديهم، والحيلولة بينهم وبين ممارسة الوصاية في حق دين الله وعباده المؤمنين؟!!!.