هنا ومن داخل المبنى الفندقي الضخم الذي تقبع به نقابة الصحفيين المصريين، المشهد يبدو مختلفا، فليس من رأى كمن سمع، حيث يتابع القاصي والداني أزمة جريدة "الدستور" التي سجلت سابقة لا يمكن تجاوزها ألا وهي أن سلطان المال هو الذي يتكلم من الآن فصاعدا، فحتى آخر قلاع الحرية المتمثلة فيما يطلقون عليها السلطة، ربما بفتح السين، الرابعة باتت تغتصب وتنتهك حرماتها دون أن يسأل عنها أحد. فخلال السنوات الثلاثة الماضية تحولت جدران النقابة إلى "حائط مبكى" للصحفيين المشردين الذين إما غلبهم قرار إداري من الدولة بغلق الجريدة مثلما حدث مع أكثر من 60 صحفي بجريدة الشعب، أخرجتهم الحكومة على المعاش وهم في ريعان شبابهم وقصفت أقلامهم وهي في أوج قوتها، وكممت أفواههم بل وحرمت على الكثير منهم العمل في أي جريدة حائط. ونفس المأساة مر بها أكثر من 120 صحفي من جرائد آفاق عربية والحقيقة والبديل، أضف إليهم أكثر من 60 صحفي من جريدة الدستور المشردين حديثا، وجميعهم يشتركون في عنصر واحد أنهم ضاع مستقبلهم بجرة قلم من رئيس التحرير أو رئيس مجلس الإدارة، إما بتعليمات من جهات نافدة أو حتى إرضاء لمزاج الحاكم بأمره رئيس التحرير. وعلى هامش تلك الأحزان، أقام الصحفيون نصبا تذكاريا داخل النقابة للصحفي المقهور وهو عبارة عن خيمة إيواء ليست لمنكوبي السيول أو الزلازل أو باقي الكوارث الطبيعية وإنما لضحايا اغتصاب بلاط صاحبة الجلالة الذي دخله المال من الباب فهربت الحرية والمصداقية من أقرب شباك. فيما غلفت لافتات التنديد بقرار الإطاحة بالصحفي إبراهيم عيسى، رئيس تحرير "الدستور"، والعصف بمطالب المحررين حوائط النقابة، والتف مئات الصحفيين لمؤازرة أبناء جلدتهم والربت على أكتافهم ومن الآخر، تقديم العزاء في المغفور لها حرية الصحافة. وعلى صعيد الأحداث، مازالت فصول أزمة صحيفة الدستور المصرية المعارضة مستمرة، حيث دخل محمد عصمت السادات وكيل مؤسس حزب الاصلاح والتنمية "تحت التأسيس" على خط هذه الأزمة، وذلك بعد تقديمه عرضا لرضا إدوارد رئيس مجلس الإدارة لشراء الجريدة بالشراكة مع شخصيات عامة. وقدم السادات لإدوارد هذا العرض عبر رسالة أكد فيها استعداده وشركاؤه لإبرام هذه الصفقة بأي مبالغ يحددها الملاك بما فيها أرباح رأس المال عن الفترة الماضية، مشيرا إلى أنهم أمهلوا إدارة الدستور الحالية أسبوعا للرد. ونقلت جريدة "الأهرام" عن السادات الذي لم يفصح عن أسماء شركائه قوله :" إن هذا العرض يأتي في إطار مبادرة لحل الأزمة"، وشدد على أن تصوراته وشركاءه لشراء الدستور تقوم على الفصل التام بين رأس المال والتحرير. وكان السادات قد اقترب في وقت سابق من الاتفاق مع مؤسس الصحيفة عصام إسماعيل فهمي علي شرائها بقيمة 20 مليون جنيه شريطة أن ينص العقد علي استمرار إبراهيم عيسي رئيسا للتحرير. غير أن ادوارد شدد على رفضه المطلق لبيع الدستور أو التفاوض فى هذا الشأن ، قائلا " لن أبيع الدستور ولو بمليارات الجنيهات " ، ونفى أن يكون السادات أرسل اليه خطابا يعرض فيه شراء الدستور، مشيرا إلى أنه تلقى هذا العرض تليفونيا عبر وسيط مجهول له. وكانت الإعلامية جميلة إسماعيل قد عرضت قبل أيام شراء حصة رضا إدوارد في جريدة "الدستور" المصرية المستقلة وقالت اسماعيل :"إنها والدكتور محمد البرادعى يرغبان فى شراء حصة إدوارد، وعرضا ذلك على السيد البدوى، لكن البدوى رد بأن إدوارد لن يبيع حصته ولو ب200 مليون جنيه". "محيط"