إنجازات كبيرة ونتائج عروض مشرفة حققتها العديد من منتخباتنا الوطنية للناشئين في ألعاب عدة على المستوى العربي والآسيوي والدولي.. وكلما تجددت الآمال بارتقاء تفوق منتخبات الناشئين إلى الفئات الأعلى "شباب- أولمبي- كبار" كلما أصيبت بخيبة أمل تجاه النتائج والعروض السيئة لتلك الفئات من عام إلى آخر في محافل خارجية شتى. "الجمهور" تحاول من خلال هذا الموضوع الإجابة على السؤال المحير: لماذا يتجمد التفوق الخارجي لمنتخباتنا عند "الناشئين" فقط؟!! النماذج والأمثلة على تفوق منتخباتنا الرياضية لفئة "الناشئين" كثيرة، أبرزها الإنجاز الذي حققه منتخب الناشئين لكرة القدم بالتأهل إلى نهائيات كأس العالم للناشئين في فنلندا، والإنجاز الذهبي لناشئي الكونغ فو والتايكواندو في بطولتين دوليتين كبيرتين، وكذا حصول منتخب كرة الطائرة للناشئين على بطولة العرب كأول منتخب للعبة جماعية يحرز لقب بطولة عربية، وغيرها الكثير من النتائج المشرفة لناشئي الرياضة اليمنية في العديد من البطولات ذات الطابع الأقليمي أو الدولي داخل الوطن وخارجه. استضافة البطولات وقبل تشخيص المشكلة يجدر بنا أولا تناول أبرز عوامل نجاح وتفوق منتخبات الناشئين، وأول تلك العوامل هو استضافة البطولات. وعلى سبيل المثال فإن تأهل منتخب الناشئين لكرة القدم إلى نهائيات كأس العالم بدأ من العاصمة صنعاء، عندما نجح اتحاد الكرة في الحصول على حق استضافة تصفيات المجموعة في صنعاء، وكذا فإن تألق منتخباتنا الوطنية لكرة السلة بدأ من خلال استضافة بطولة غرب آسيا للناشئين في عدن عام 2001م. ثقة وارتياح نفسي وهنا نقول إن استضافة أي استحقاق عربي أو قاري أو دولي في بلادنا يمنح ثقة كبيرة لمنتخباتنا وشعوراً بالراحة النفسية مما يدفع لاعبيها لتقديم كل ما لديهم من إبداعات والظهور كخصم منافس وليس مشارك أو "محتك". وبالتالي فإن عزوف اتحاداتنا الرياضية عن التقدم بطلب استضافة تصفيات أو نهائيات بطولات للفئات الأعلى الشباب والأولمبي الكبار أحد أسباب تقوقع نتائجها. الموهبة لا تكفي العامل الآخر وهو عامل فني بحت يتمثل في أن فئة الناشئين لا تتطلب خبرات فنية وتكتيكية بقدر ما تتطلبه من "موهبة".. وبلادنا والحمد لله غنية باللاعبين الموهوبين وفي مقدمتهم لاعبو منتخباتنا الوطنية للناشئين، لكن ما إن يصعد هؤلاء اللاعبين لمرحلة الشباب حتى تبدأ نتائجهم بالتراجع والسبب هنا يعود إلى عدم إعطاء لاعبينا الجرعات التكتيكية والتكنيكية وخطط اللعب في الملعب واللعب بدون كرة، وأمور فنية أخرى مطلوبة حيث أن "الموهبة" وحدها لا تكفي بالنسبة لفرق ومنتخبات الشباب والأولمبي والكبار. إهمال التأهيل وهذا الأمر يعطينا مؤشراً واضحاً على عدم إيلاء الاتحادات الرياضية أي اهتمام بجانب تأهيل وصقل المدربين الوطنيين في الدورات القصيرة والمتوسطة، التي تنظمها الاتحادات القارية والدولية أو التي تنظمها وتقيمها أكاديميات رياضية متخصصة. صفحة بيضاء عامل آخر من عوامل تفوق الناشئين يتمثل في الجانب التربوي والسلوكي، فاللاعب الناشئ عادة ما يكون "صفحة بيضاء" لم تمتلئ بعد ب"شخابيط" العقد والأحقاد واللؤم وغيرها من السلوكيات الخاطئة.. لكن نجد بعض هؤلاء اللاعبين ما إن يكبروا قليلاً ويصلوا إلى سن الشباب حتى يختلف سلوكهم كالتركيز على المال فقط أو ممارسة عادات سيئة مثل مضغ القات وأحيانا تعاطي "الشيشة" أو الدخول في "شلليات" في فرقهم، وبالتالي الاشتراك في "مؤامرات" للإطاحة ب"الشلة الأخرى" وهكذا. غياب الأخصائيين الاجتماعيين والسبب في ذلك منشأه الأندية أولاً لعدم وجود تعامل حازم وعادل مع اللاعبين من قبل الإداريين والمشرفين الرياضيين على فرق الألعاب المختلفة، وكذا عدم وجود اخصائيين اجتماعيين يتابعون سلوكيات اللاعبين ويضعون المعالجات التربوية المناسبة بالاتفاق مع إدارة النادي أو إدارة المنتخب. وجود أخصائيين اجتماعيين ضمن قوام الأجهزة الفنية والتدريبية والإدارية لمنتخباتنا الوطنية، شرط أساسي ومهم لنجاح مشاركاتنا في الداخل والخارج وتمثيل بلادنا خير تمثيل. التزوير في الأعمار وهناك عامل آخر عادة ما يكون مثار حديث الكثير من الناس الذين يرجعون أسباب تفوق منتخبات الناشئين إلى لجوء الاتحادات الوطنية إلى التزوير في أعمار اللاعبين والمشاركة بلاعبين تتجاوز أعمارهم المحددة لفئات الناشئين والشباب. نغش أنفسنا وهنا نقول إن التزوير في الأعمار والمشاركة بلاعبين أكبر سنا في منتخباتنا الوطنية وخصوصا منتخبات الناشئين.. خطأ جسيم جداً جداً.. قد نحصل من هؤلاء اللاعبين على نتائج وميداليات لكننا في المحصلة لن نغش سوى أنفسنا لأن هذا اللاعب ما إن يصل إلى مرحلة الكبار "المنتخب الأول" حتى يكون قد انتهى عمره الافتراضي بينما أقرانه في المنتخبات الأخرى ما يزالون في أوج عطائهم وقدراتهم البدنية والفنية.. هم ينمون في مراحل المنتخبات نمواً طبيعياً بينما يكون نمو لاعبينا نمواً غير طبيعي وبالتالي تكون المحصلة في الأخير وتحديداً في "منتخبات الكبار" محصلة غير طبيعية، مع العلم أن معظم لاعبي منتخباتنا الوطنية للناشئين يواصلون عطاءاتهم حتى يصلوا إلى مرحلة المنتخبات الأولى، حيث يختفون عن الملاعب في ظروف غامضة، وخير دليل على ذلك نجوم منتخب الناشئين السابق لكرة القدم الذين حققوا إنجاز التأهل إلى كأس العالم للناشئين، حيث لم يصل منهم إلى المنتخب الأول إلا لاعب واحد أو اثنان فقط. قضية هامة ينحصر التفوق الرياضي لمنتخباتنا الوطنية على فئة "الناشئين" فقط، وهذه ظاهرة تتطلب مناقشتها ودراستها ووضع المعالجات المناسبة لها من قبل الاتحادات الرياضية واللجنة الأولمبية ووزارة الشباب، كونها تمس جوهر "الغاية" و "الهدف" من إعداد منتخباتنا الوطنية ومشاركاتنا الخارجية والنفقات الكبيرة التي تستنزفها.