منذ أن أمر الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بإعادة حفر القناة التي عرفت باسم (قناة أمير المؤمنين) ظل البحر الأحمر منطقة عربية خالصة تخدم الاستراتيجية العربية والأمن العربي، فمنذ ان استولت الدولة الأموية على أرخبيل دهلك ثم السواحل الأفريقية المجاورة، كفت غارات القراصنة على الموانئ اليمنية وميناء جدة السعودي، وكان ذلك عام 84ه وتحمل العباسيون بعد الأمويين مسؤولية حماية الطرق التجارية في البحر الأحمر، وأقاموا لهذا الهدف الكبير القلاع والحصون في تلك الجزر المنتشرة في الطرف الجنوبي منه. ومع بدء الحروب الصليبية على الوطن العربي واستقرار الصليبيين في الشام، قررت أوربا أن تمنع عن مصر الموارد الأولية اللازمة للحرب التي كانت تقودها لدرء خطر الصليبيين على الوطن العربي، فأصدرت الحكومات الأوربية بمباركة البابا وقتئذ مجموعة من القوانين والمراسيم، تمنع توريد تلك الموارد التي كانت تحتاجها مصر في معاركها التاريخية ضد هجمة الصليبيين. وخلال هذه الفترة الحرجة من تاريخ الأمة العربية تعاون اليمنيون والمصريون في نقل التجارة المتجمعة في ميناء عدن إلى ميناء عيذاب بالسودان، حيث كان يبدأ نقلها بعد ذلك على ظهور الجمال إلى مدينة قوهي في جنوب مصر، ثم يعاد شحنها في النيل حتى دمياط ورشيد، وكانت الحكومة المصرية آنذاك قد اتخذت الإجراءات اللازمة لمنع التجار الأوربيين من الدخول إلى البحر الأحمر والحيلولة دون تحالفهم مع الحبشة ضد مصر. وعندما حاول البرتغاليون قطع التجارة الهندية مع مصر وتحويلها إلى رأس الرجاء الصالح، ألحقت البحرية المصرية هزيمة نكراء بالأسطول البرتغالي في المياه الهندية عام 1508م، كما أرسل السلطان الغوري حاكم مصر آنذاك، حملة بحرية إلى اليمن لتقوية المراكز العربية ولمنع البرتغاليين من الاستيلاء على ميناء عدن. ولكن لم يكتف البرتغاليون بالهزيمة التي أوقعتها بهم البحرية المصرية في المياه الهندية، فعملوا من خلال تحالفاتهم العسكرية مع الحبشة على تعزيز وجودهم العسكري والتجاري في حوض البحر الأحمر وضمان استمرار تجارة أوربا مع الشرق عبر طريق رأس الرجاء الصالح وإبعادها عن مصر والشام، لكن البحرية المصرية لم تجعل البرتغاليين يهنأون باحتلالهم ميناء مصوع، فألحقت بهم هزيمة أخرى عام 1554م وصفت مواقعهم على طول امتداد شواطئ البحر الأحمر. ومع بداية القرن التاسع عشر بدأت الدول الاستعمارية تعمل على إعادة تقسيم العالم الحديث وتلغى خارطته القديمة. وقد صاحب ذلك كله حفر قناة السويس عام 1869م، الذي يعد نقطة تحول هامة في تاريخ البحر الأحمر وتاريخ التجارة العالمية وتاريخ الاستعمار، فبدأت الدول الاستعمارية القديمة (بريطانيا، فرنسا، إيطاليا) ضمن خطة تقسيم العالم تسعى للحصول على محطات بحرية على طريق المواصلات الجديد بين الشرق والغرب.. محطات مهمتها تخزين الفحم، كمادة أولية للوقود، والمؤن والتموين لسد حاجة سفنها التي كانت تمخر البحار، ثم تحولت هذه المحطات فيما بعد إلى محطات ثابتة، فكانت محطة عدن الإنجليزية وأبوخ الفرنسية وعصب الإيطالية.. ثم تحولت هذه المحطات بعد ذلك إلى نواة للاستعمال الأوربي ومراكز استراتيجية له يتحكم من خلالها على الطرق الرئيسية بين الشرق والغرب.