لأول مرّة، كشف قبطان السفينة الحاملة ل2750 طنا من مادة نيترات الأمونيوم شديدة الخطورة التي انفجرت في مرفأ بيروت الثلاثاء الماضي معلوماتٍ جديدة . وأكد القبطان الأوكراني "بوريس بروكوشيف" أن السفينة مملوكة لرجل أعمال روسي يُدعى "إيغور غريتشوشكين" ويعيش في قبرص. وأضاف القبطان الأوكراني أنه بعد إبحاره لم تُعتبر الرحلة مربحة بما فيه الكفاية وتحوّلت السفينة إلى ميناء بيروت آواخر 2013 لتحمل المزيد من المعدات التي كانت ثقيلة للغاية بالنسبة للسفينة، بحسب بروكوشيف. وأوضح بروكوشيف أن شحنة نترات الأمونيوم حُجزت في عام 2014 وتم تخزينها في مرفأ بيروت حتى وقت انفجارها. وقال بروكوشيف إن غريتشوشكين -الذي يعيش الآن في قبرص التي تعد الوجهة المفضلة للأثرياء الروس- تخلى عن السفينة "إم في روسوس" بعد أن علقت في بيروت، تاركا الفريق وقد تقطعت بهم السبل. ورغم وجود رجل الأعمال الروسي في قبرص، أكدت سلطات الأخيرة أنها لم تتلق طلبات لبنانية للمساعدة، بحسب تقرير موقع من سيبريس ميل (Cyprus Mail). وكشف تقرير الموقع الأميركي أن الشرطة في الجزيرة قالت إنها اتصلت بلبنان لتقديم المساعدة، لكنها لم تسمع أي رد. وذكر موقع "بيزنس إنسايدر" الامريكي أن غريتشوشكين لم يدل بأي بتصريح بشأن الانفجار. وكان من المفترض أن تأخذ السفينة نترات الأمونيوم من باتومي في جورجيا إلى موزمبيق، لكن في بيروت وجد المفتشون أن السفينة غير صالحة للإبحار ومنعوها من المغادرة، واُطلق سراح بعض أفراد الطاقم. لكن بروكوشيف قال إنه وثلاثة آخرين من فريق السفينة ظلوا عالقين هناك لمدة 11 شهرا، مضيفا أن غريشوشكين "لم يشتر حتى طعاما لنا، وتركنا في وضع خطير عن قصد، وحكم علينا بالجوع، غير أن مسؤولين في مرفأ بيروت أشفقوا علينا وأطعمونا". وبعد معركة قانونية طويلة، كشف القبطان أن غريشوشكين نقل نترات الأمونيوم إلى التخزين ودفع تكاليف مغادرة أفراد الطاقم المتبقين إلى أوديسا في أوكرانيا. وقال بروكوشيف إنه التقى غريشوشكين عام 2013، وكان طاقم السفينة بأكمله قد تغير، ولم يذكر أن هذا كان بسبب "عدم دفع الرواتب". ونشرت صحيفة سيبيريا تايمز (The Siberian Times) الروسية أول أمس الأربعاء، صورة قالت إنها لغريشوشكين وهو يتجول على دراجة نارية. وتعذر على بيزنس إنسايدر التحقق من صحة الصورة، لأن ليس هناك معلومات مؤكدة عن مكان وجود رجل الأعمال الروسي، رغم أن صحيفة سيبرس ميل القبرصية ذكرت أن لغريشوشكين مكتبا في مدينة ليماسول في قبرص. ونقلت الصحيفة عن وزارة الداخلية القبرصية أنه لا يملك جواز سفر قبرصيا لكن زوجته مواطنة قبرصية. وذكر بروكوشيف أنه عندما وصل إلى بيروت وجد أن السفينة لن تتمكن من تحميل هذه الآلات لأنها قديمة وبلغت من العمر بين 30 – 40 عاما ولم تعد تتحمل المزيد من الأوزان، وحينها، بحسب رواية القبطان، وجد المسؤولون اللبنانيون أن السفينة غير صالحة للإبحار واحتجزوها لعدم دفعها رسوم الرسوم، وعندما حاول البحارة الاتصال بغريشوشكين مالك السفينة، للحصول على المال للوقود والمواد الغذائية وغيرها من الضروريات، فشلوا في الوصول إليه، وقال بروكوشيف: "على ما يبدو أنه ترك السفينة التي استأجرها". وأشار القبطان إلى أن ستة من أفراد الطاقم عادوا إلى منازلهم، لكن المسؤولين اللبنانيين أجبروه وثلاثة من أفراد الطاقم الأوكراني على البقاء على متن الطائرة حتى يتم حل مشكلة الديون، وطبقا لمحاميهم، فإن قيود الهجرة اللبنانية منعت الطاقم من مغادرة السفينة، وكافحوا من أجل الحصول على المواد الغذائية والإمدادات الأخرى. وصرح بروكوشيف أن مسؤولي الموانئ اللبنانية أشفقوا على الطاقم الجائع وقدموا الطعام، لكنه أضاف أنهم لم يظهروا أي قلق بشأن شحنة السفينة شديدة الخطورة، قال: "لقد أرادوا فقط الأموال التي ندين بها". وجذبت قضيتهم الانتباه في أوكرانيا، حيث وصفت التقارير الإخبارية الطاقم العالق بأنهم "رهائن محاصرون على متن سفينة مهجورة"، كما ناشد القبطان سفارة بلاده. وفي النهاية اضطر بروكوشيف إلى بيع وقود السفينة واستخدام عائداته لتكليف مكتب محاماة لبناني بالدفاع عنهم، وحذر المحامون السلطات اللبنانية من أن السفينة معرضة خطر "الغرق أو التفجير في أي لحظة". وبالفعل أمر قاضٍ لبناني بإطلاق سراح طاقم السفينة لأسباب إنسانية في 2014، بينما تم نقل الشحنة المميتة إلى عنبر 12 وبقيت هناك حتى يوم الانفجار. وقال بروكوشيف إن المسؤولين اللبنانيين أخطأوا عندما أصروا على حجز القارب والاحتفاظ بشحنة نترات الأمونيوم في الميناء بدلا من نشرها في الحقول، مضيفا أنه علم أن السفينة غرقت في 2015 أو 2016، مشيرا إلى أنه تفاجأ بأن الانفجار تأخر كل هذا الوقت. وتعد نيترات الأمونيوم من مكونات الأسمدة التي تسمى الأمونترات، والتي يشتريها المزارعون في أكياس كبيرة أو بالوزن. وهي منتجات غير قابلة للاشتعال ولكنها مؤكسدات، أي أنها تسمح باحتراق مادة أخرى مشتعلة، وأكدت جيمي أوكسلي، وهي أستاذة الكيمياء بجامعة رود آيلاند التي أجرت دراسات عن اشتعال مادة نيترات الأمونيوم "من الصعب جدا إشعالها" كما أنه "ليس من السهل تفجيرها". تصريح قبطان السفينة يتناقص مع روايات أخرى، أحدها نقلتها وكالة رويترز عن موقع "شيب أريستيد. كوم"، وهو شبكة تتعامل مع الدعاوى القانونية في قطاع الشحن، أن السفينة رست في بيروت في سبتمبر أيلول 2013 عندما تعرضت لمشكلات فنية أثناء الإبحار من جورجيا إلى موزمبيق وهي تحمل 2750 طنا من نترات الأمونيوم. وتفيد وثيقتان اطلعت رويترز عليهما بأن الجمارك اللبنانية طلبت من السلطة القضائية في عامي 2016 و2017 أن تطلب من "المؤسسات البحرية المعنية" إعادة تصدير أو الموافقة على بيع نترات الأمونيوم، التي نُقلت من سفينة الشحن "روسوس" وأُودعت بالعنبر رقم 12، لضمان سلامة الميناء. أما وكالة الأنباء الفرنسية فنقلت عن مصادر أمنية ترجيحها أن تكون السفينة مرّت على شكل ترانزيت في بيروت، أما عن سبب توقيفها، فأكد أن شركة لبنانية ادعت لدى قاضي الأمور المستعجلة على الشركة المالكة لها، فتمّ الحجز عليها من القضاء، ثم إفراغ حمولتها، لأنها كانت تعاني من أضرار واهتراء، وغرقت السفينة لاحقا أمام مرفأ بيروت. بينما نقلت رويترز عن موقع "شيب أريستيد. كوم" قوله إن سبب مصادرة الشحنة يعود إلى أنه وبعد عملية تفتيش السفينة التي أعقبت توقفها في مرفأ بيروت، مُنعت من الإبحار، ثم تخلى عنها مالكوها بعد وقت قصير، مما دفع دائنين مختلفين للتقدم بدعاوى قانونية. هذه الروايات الثلاث تزيد علامات الاستفهام عن حقيقة خط سير السفينة وهل وصلت إلى لبنان عن طريق الصدفة؟ أم أن أحدهم أراد لها أن تفرغ حمولتها في لبنان بطريقة ملتوية كي لا يتحمل مسؤولية هذه الكمية من الذخائر؟ وهل فعلا أن الفساد وحده وسوء التخزين هو ما أدى إلى وقوع هذه الكارثة؟ ورداً على هذه الأسئلة، قال لقمان سليم، المحلل السياسي اللبناني، إن الروايات حول كيفية وصول السفينة إلى بيروت وأنها وصلت بسبب عيوب فنية في السفينة أو ترانزيت وحجزها بسبب عدم سدادها ديون رسوها في الميناء، بالإضافة إلى طريقة تعامل القضاء والأمن مع الشحنة والسفينة وطاقمها، تظهر أن الوجهة النهائية للسفينة هي بيروت، وليس الموزنبيق. وأضاف إن ما حدث بعد وصول السفينة وتخزين شحنة نترات الأمونيوم في الميناء يدل على أن ما حدث هو عملية معقدة للتغطية عن الوجهة الرئيسة للشحنة التي من المؤكد انها وليست موزمبيق كما تدعى بعض التقارير. وأعلن وزير الصحة اللبناني حمد حسن، الجمعة، ارتفاع عدد ضحايا انفجار مرفأ بيروت إلى 154 قتيلا ونحو 5 آلاف جريح، مشيراً إلى أنّ 20% من الجرحى يحتاجون إلى تلقي العلاج في المستشفيات. وتابع: "هناك 120 حالة حرجة، وخاصة أن الزجاج المتطاير أدى الى إصابات بالغة تحتاج إلى عمليات جراحية دقيقة". وأعلن مجلس الدفاع الأعلى، في وقت متأخر الثلاثاء، بيروت "مدينة منكوبة"، ضمن حزمة قرارات وتوصيات لمواجهة تداعيات الانفجار. وعقب اجتماع للمجلس، برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون، أوصى بتكليف لجنة تحقيق للوقوف على أسباب الانفجار، "على أن ترفع نتيجة التحقيقات إلى المراجع القضائية المختصة، في مهلة أقصاها 5 أيام من تاريخه، وأن تُتخذ أقصى درجات العقوبات بحق المسؤولين". ويزيد انفجار مرفأ بيروت من أوجاع بلد يعاني منذ أشهر، تداعيات أزمة اقتصادية قاسية واستقطابا سياسيا حادا، في مشهد تتداخل فيه أطراف إقليمية ودولية. │المصدر - وكالات + صحف