في كل يوم وفي كل لحظة يزداد الامر تعقيداً في المشهد اليمني، وكأننا نعيش حياة البداوة في عصور ما قبل ظهور الاسلام، قتل ودماء واشلاء وفي كل مكان.. وفي هذا المفترق الاصعب يبدو من الصعب الحديث عن تنمية واصلاح سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي أو حتى استقرار امني في حالة استثنائية كاليمن، وفي هذا التوقيت بالغ الحساسية والخطورة، خاصة وقوى الشر والإرهاب والعمالة والارتزاق تتكالب على هذا البلد وبصورة غير مسبوقة في التاريخ البشري، حالة لم تكن في حسبان احد ان تتوحد القوى الارهابية في العالم وتتفق على ان تكون ساحتها القادمة هي اليمن، في وقت تنتشر فيه القوى الاثني عشرية وتتمدد من شمال الشمال وباتجاه كل اليمن بدءاً من صعدة ومروراً بحجه وعمران وأرحب لتصل مؤخراً إلى ابواب صنعاء.. وتحت دعاوى وأكاذيب خرقاء انها تدافع عن نفسها وتريد اقامة دولة مدنية تتحرك جحافل الشر الحوثية.. وفي الاتجاه الآخر تتحرك القوى الانفصالية المدعومة بالمال والسلاح الايراني والأجنبي في الجنوب وبقوة لتقتل الجندي والمواطن وعابر السبيل والتاجر والموظف وبالهوية وتحت مبرر آخر غريب وعجيب، ولا يختلف في أهدافه ونواياه عن مبرر الحوثي، طرد المحتل أو مقاومة الاحتلال.. ليبرز سؤالٌ محير تصعب الاجابة عليه عند الجميع: من يحتل من؟! ناهيك عن تحالفات تلك القوى مع تيارات حزبية تدعي المدنية وأنها تمارس الديمقراطية، والصحيح أنها تتدثر برداء وعباءة الديمقراطية زوراً وبهتانا فيما هي تقوم بممارسة كل أنواع العهر والفجور في الخصومة والعداء للواطن والمواطن.. الأمر لا يستدعي اذن الى حصافة أو ذكاء لنكتشف ما يعتمل ويخطط له للإيقاع باليمن ارضا وإنسانا، تاريخاً وجغرافيا، ونسف مقومات بقايا وطن يساهم وللأسف الشديد أبناؤه في خوض معارك جانبية لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وبقصد أو بدون قصد نجد الكثيرين من أبناء هذا الوطن يتحولون إلى معاول هدم تهدم كل جميلٍ في البلاد، فهم ولأسباب بسيطة أو تافهة أو حتى لأسباب كبيرة وكنتيجة لما يعانونه من مشاق حياتية نجدهم على استعداد لبيع الوطن وخيانته، بل وذبحه من الوريد إلى الوريد إذا اقتضى الأمر ذلك، وفي مقابل مكاسب بسيطة وآنيةٍ يحاول دعاة الشر والإرهاب الترويج والتلويح بها أمام أعين البسطاء من أبناء شعبنا.. ولا نبالغ إذا قلنا إن من بين من يعمل على تخريب الوطن وتمزيقه وإثارة الفتن بين أبنائه مثقفون وإعلاميون وساسة وغيرهم من النخبة إما لجهلهم بقواعد اللعبة الحقيقية وعدم إدراكهم للأهداف الكامنة وراء المشاريع التوسعية والتمزيقية لحلفاء الشيطان، أو لأن بعض هؤلاء النخب استمرؤوا الخيانة وألفوا الهوان وباعوا أرواحهم وبلادهم ومعتقدهم للشر المتكالب علينا، والذي يفتك بنا وبالوطن ويحرق الأخضر واليابس، دون أن يدرك هؤلاء أنه لن يتركهم وأنه لا محالة سيفتك بهم بعد أن ينتهي منهم كما يفتك بوطنهم وأبنائه الآن، الذين يعاقبون دون ذنب، وبالهوية يقتلون وبدم بارد ولا يعلم غالبيتهم لماذا قتلوا وما هي جريمتهم ومن استهدفهم ولمصلحة لمن سفكت دماؤهم؟! يستحضرني في هذا الظرف العصيب قوله صلى الله عليه وسلم حين قال مخبراً عن آخر الزمان حين قال: (يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها).. وهذا هو حالنا حيث تتكالب علينا الشرور ووتحالف ضدنا قوى الشر والإرهاب من الداخل والخارج، لنتحول بين عشية وضحاها إلى ساحة حرب دولية لا شيء لنا فيها لكننا نحن والوطن ضحاياها ووقودها شئنا أم أبينا.. دعونا نتساءل وببراءة عن سر هذا الحشد والتوحد والتقارب بين قوى مختلفة في الفكر والمنهج والرؤية كيف لها ان تتفق على الهدف، وما الذي يغري في هذا البلد المنهك والمدمر أصلا؟ هل هو الانفلات الامني؟ ام المساحة الجغرافية الممتدة عبر البحر، والتي يسهل معها العبور والوصول الى هنا؟ ام غير ذلك من الامور التي قد لا نعلمها، ما هو الاغراء الذي يدفع بكل تلك القوى للتوجه صوب اليمن؟ قولوا لنا بربكم ما سر التدافع على بلادنا وبهذه الصورة؟ هل هناك ما يغري في بلد نصف سكانه أو يزيد وبحسب تقارير دولية جوعى لا يجدون ما يسد رمقهم من الجوع؟ ما هي المكاسب التي قد يجنيها هؤلاء؟! قد يتبادر الى الذهن عشرات الاسئلة والاستفسارات والإجابات في ظل وضع كهذا تنمو فيه كل الامراض الاجتماعية.. من يدري قد يكون للمال فعله، لكن ليس المال وحده من يقود المعركة فهناك من خفايا الامورالكثير والكثير قد يكشف عنها لاحقا، لكن ما الفائدة ان نصحو وقد صار الوطن بقايا حطام والارض تحولت الى مقابر، من المعني بالامر يا ترى؟ هل الوطن ملك ل(س) او (ص) من الناس فقط، فيما اكثر من 25 مليون نسمة تابعون ولا حول لهم ولا قوة، ام ماذا؟ هناك من يلقي باللائمة على الدولة فحسب، في وقت لم يكن هو حسب اعتقادي المواطن الصالح الذي ربما يستحق الرعاية من الدولة التي ينتزع منها عنوة صلاحياتها بأي شكل من الاشكال فتتحول الدولة بهذا الى مجرد طرف ضعيف لا يسندها مال ولم يبقَ من هيبتها شيء تركن إليه لتحقيق أمن وسلامة الارض والانسان.. أخيراً.. ليس لليمن إلا اهلها، وليست الدولة وحدها معنية بأمن وسلامة الوطن والمواطن.. وما لم يسهم المواطن وبدور فعال في الحفاظ على امن وطنه ومجتمعه فإننا سنسير من سيءٍ إلى أسوأ، واذكركم جميعا بمقولة المستشرق والفيلسوف الفرنسي رينان: "لكل إنسان وطنان: وطنه الذي ينتمي إليه، و اليمن"، ولنسأل أنفسنا ما الذي يمثله لنا اليمن، وأين هو منا؟! [email protected]