في قرية «المفتش» بمديرية التعزية بمحافظة تعز نماذج واقعية لأغلبية فقراء المحافظة الذين يقطنون عشش الصفيح والخشب التي تُشبّه بالعلب، وأقل ما توصف به أنها «مقابر للأحياء». أفراد كثيرون يعيشون حياة قاسية ومريرة في عشة واحدة لا تزيد مساحتها على مترين طولاً ومتر ونصف عرضاً, آباء وأمهات وأطفال وشيوخ ونساء يعيشون جميعاً في أماكن لا تصلح لحياة البشر.. حُجرات خشبية ضيقة تكفى بالكاد لشخص واحد.. شبابيك وهمية ومتلاحقة .. لا توجد مياه نظيفة ولا صرف صحى ولا مستشفيات وأغلب هؤلاء المعدمين عمالة موسمية ليس لها تأمين صحي ولا دخل ثابت ورائحة الفقر والمرض تنبعث من كل مكان، يعيشون حياة فقيرة في كل شيء، مراسل «الخبر» اقترب منهم ونقل صورة لحياتهم الواقعية ، فإلى التقرير.. كانت علامات الإعياء والألم وقلة الحيلة تبدو واضحة على ملامح أم محمد- المرأة المُسنّة التي تجاوزت ال«80» من عمرها ووجدناها جالسة أمام غرفتها الصغيرة المبنية من الطوب القديم في قرية المفتش في انتظار السؤال عنها، وقد فرحت كثيراً عندما شاهدتنا وسألتنا عما نحتاج وعرضت علينا الجلوس داخل غرفتها التي تحتوى على سرير قديم وكوب وحصيرة متهالكة مفروشة على الأرض. تقول أم محمد : «عندي 6 أولاد جميعهم متزوجون يسألون عنى من حين لآخر ويجودون على بما أعطاهم الله من رزق والحمد لله، أولادي يعملون الذي عليهم ولكن الصعوبة تكمن في غلاء المعيشة ونحن مازلنا خارج حسابات الحكومة». ثم جاء فجأة الابن الثالث لهذه المسنة ويدعى عبدالرحيم صالح الذى صرخ في وجهنا وقال: «لا أحد يأخذ بأيدينا أو يحاول أن يساعدنا، فأنا عندي «4»أولاد منهم «3» بنات والحمل ثقيل علينا ونحن نعيش في المفتش من مئات السنين من جدود جدودنا وحالي مثل حال أهل منطقتي». وأضاف عبد الرحيم :«جميعنا نتمنى أن تنصلح الأحوال لنعيش حياة آدمية مرتاحي البال ولكن من أين والعين بصيرة واليد قصيرة، لذا نطالب الحكومة بأن توفر لنا مساكن آدمية بديلة عن مساكننا القديمة أو توصيل المرافق لهذه المساكن والعمل على إتاحة فرص العمل لنا حتى نشعر بالأمان والاستقرار داخل بلدنا ولا يُظلَم أحدٌ منا». وفى إحدى عشش المفتش حيث للفقر الكلمة الأولى والأخيرة تعيش أم سيف وأبناؤها السبعة حياة لا ترقى لمستوى حياة البشر, تلك العُشّة الخشبية بالنسبة لقاطنيها هي الدنيا وما فيها، بداخلها الدفء من برد الشتاء، وبظلها يحتمون من حر الصيف، تقيم الأم وأبناؤها السبعة في هذه الغرفة ينتظرون عطف المحسنين بعد ان نسيتهم الحكومات المتعاقبة. تقول أم سيف : «المنطقة هنا لا يوجد بها مياه ولا صرف صحى والكهرباء دائما وأوقات الشتاء تمر علينا بصعوبة شديدة فالأمطار تغرق عششنا ولا نجد شيئاً يعصمنا من البرد القارس، لذلك نقوم بإشعال بعض قطع الخشب لكى نشعر بالدفء، وتبقى مشكلة المياه التي تملأ العيشة وتغرق ما بداخلها وكل ما نتمناه أن نعيش في شقة بها باب مُقفَل ودورة مياه وبلكونة كبيرة تدخلها الشمس والهواء لكي نشعر بأننا مازلنا أحياء». وتضيف: «كنا نظن أن الثورة ستنصفنا وتمنحنا جزءاً من حقنا في هذا الوطن، ورغم أن هذا لم يحدث حتى الآن فإننا مازلنا نحلم بهذا اليوم الذى نعيش فيه قبل أن نموت». أم ناصر لديها بنتان ومقيمة في نفس المكان فهي تعاني من اصابات بالغة في العمود الفقري وحساسية في الصدر، ممّا يستلزم علاجاً شهرياً مرتفع التكاليف لا يتناسب مع ظروفها المعيشية الصعبة. حيث أنها تقوم بجمع بقايا البلاستيك والعيش المكسر العفن من القمامة لتذهب وتبيعه لتوفر لأبنائها قوت يومهم، حيث لا يوجد لهم أي مصدر رزق، والأولاد مازالوا صغاراً «7 سنوات» و«10 سنوات« ويحتاجون الى مصاريف كثيرة. وتقول أم ناصر : «حياتنا كلها معاناة وتعب ولكن الحمد لله على كل شىء، فلا نستطيع الا ان نقول ذلك ولكن ألن يأتي علينا يوم يشعر فيه أحد المسؤولين بنا؟ ومتى سيأتي هذا اليوم؟».