لكل ثورة تغييرية أهداف سامية و الثورات الصادقة حتما ستصل إلى بناء الأوطان، وإلى إقامة الدولة العادلة ، وتعمل على تحقيق رفاهية الشعب وتجسد ذلك على أرض الواقع، ولاغرو إن قلنا أنه لا قيمة لأي ثورة لا تستهدف بناء الإنسان، ولا تبني الأوطان، و لا تحقق أهدافها في الواقع. ولو نظرنا اليوم إلى تاريخ الثورة السبتمبرية منذ "1962- 2012م" سنجد أن نصف قرن من عمر الثورة مضى ،وهو زمن كبير ومع هذا لم يجد الشعب اليمني أن أهداف الثورة قد تحققت وتجسدت في واقعه ، و لم يتحرر من الظلم والاستبداد، ولم يقم النظام الجمهوري العادل في اليمن ،ومازالت الفوارق والامتيازات بين فئات الشعب لم تنته بعد. كما أن الشعب لم يصل إلى مرحلة الرفاهية بحسب الهدف الثاني ولم يرتفع مستواه في مجالات الاقتصاد أو الاجتماع والسياسة والثقافة. وقد حلم اليمنيون بمجتمع ديمقراطي لكنهم لم يصلوا إليه،وظلت الديمقراطية شكلية منذ بدأت التعددية السياسية،بعد الوحدة اليمنية في 1990م. و لعلني هنا أؤكد أن هذا الخلل أو الفشل بتعبير أصح ليس سببه الثورة نفسها ، ولا أهدافها ، و لا في ثوارها الأحرار ، إنما هناك أسباب أخرى ؛ لعل من أهمها قصور كبير، بل ظلم أكبر من قبل الذين تسنموا قيادة البلاد منذ قيام الثورة وحتى اليوم ، وهم الذين حرفوا مسار الثورة مما جعلها لا تحقق أهدافها. يقول شاعرنا الكبير عبدالله البردوني : والرجال الذين بالأمس ثاروا.. أيقظوا حولنا الذئاب وناموا ربما أحسنوا البدايات لكن.. هل يحسون كيف ساء الختام ؟. لقد جاء من ينال من الثورة السبتمبرية وعمل بكل جهده من أجل أن يحرف مسارها وأضاع بهذه الأفعال تضحيات الثوار ودماء الشهداء. وظلت أهداف الثورة لديه ديكورا للتغني الزائف ليس إلا، ولقد تنبه لهذا الانحراف أبو الأحرار الشهيد الزبيري الذي نالته نيران أعداء الثورة – كغيره من الثوار- ووثق هذا بقصيدته السينية التي أسماها ب( الكارثة ) وفيها سنجد الزبيري متألما من الوضع بعد قيام الثورة. يقول الشهيد الزبيري: روح الإمامة تجري في مشاعرهم .. وإن تغيرت الأشكال والأُسُسُ لولاكم لم يقم بدر ولا حسن .. ولم يعد لهما نبض ولا نفس وأنتم عودة للأمس قد قُبر ال .. طغاة فيكم وعادوا بعدما اندرسوا وانتمُ طبعة للظلم ثانية .. تداركت كل ماقد أهملوا ونسوا. لقد عمل حكم الفرد بعد قيام ثورة سبتمبر على تغييب أهداف الثورة السبتمبرية عن الواقع، لأنه يدرك أنها ضد فرديته و ضد استبداده لو طبقت واقعا. وكان النظام قد تحول شكلا من النظام الملكي إلى النظام الجمهوري وظل الحاكم إماما جمهوريا وخاصة في مرحلة الرئيس السابق علي صالح الذي سعى للتوريث وسخر كل إمكانات الدولة من أجل ذلك، لم يشهد اليمن قيام مؤسسات ناجحة، ولم يتحول الحكم إلى مدني بل ظل في يد العسكر يديرون البلاد بالعقلية العسكرية لا المدنية. كما أن نُخب البلاد ظلت إزاء هذا إما صامته غير مبالية أو خائفة من بطش الحاكم أومجاملة له، و لم نجد طيلة خمسة عقود من الزمن تقييما شفافا لنتائج الثورة و ما آلت إليه ثورة سبتمبر. كما لم نجد من يطالب بتحقيق أهداف الثورة السبتمبرية ، لكن ربما جاءت أفضل فترة اليوم لإعادة الاعتبار للثورة الأم وخاصة بعد اندلاع ثورة الشباب السلمية في اليمن عام 2011م، حيث أهداف الثورة الشبابية التغييرية هي تأكيد لأهداف ثورة سبتمبر الخالدة. وهو ما يجعلنا نطالب الرئيس والحكومة والأحزاب ومنظمات المجتمع اليمني وكل النخب في البلاد أن يضعوا آليات جادة لتحقيق أهداف الثورات اليمنية سبتمبر وأكتوبر وثورة الشباب التغييرية من أجل أن نصل بالبلاد إلى مصاف الدول المتحضرة وإلى أن يصل الشعب إلى الرقي والتقدم المنشود. ثورة سبتمبر .. نصف قرن من المعاناة كما يجب أن يتم تقييم مرحلة نصف قرن من الثورة تقييما دقيقا شفافا بحيث تثبت أسباب القصور ، وأن تكون هناك كتب منهجية تدرس في مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا كي تطلع الأجيال على التاريخ الحقيقي لليمن، بعد أن تم تحريفه و تضليل الأجيال بوقائع بعيدة عن الواقع ،وبعد أن كرس الإعلام على مدى عقود من الزمن كل جهده في تلميع حكم الفرد المستبد وتناسى تضحيات الشعب وثواره العظام. إن الشعب اليمني وبعد خمسين عاما من ثورة سبتمبر وثورة أكتوبر، ما زال يعاني ومازال يبحث عمن يتصدق عليه من قبل الدول المانحة ، مازال يفتقد لجيش وطني مثل بقية الدول. مازال يعاني من عدم الاستقرار الاقتصادي والأمني ، مازال الشعب اليمني يسمع من ينادي بالعودة إلى العهد الإمامي البائد والطائفي المقيت، ومازال يسمع من ينادي بالعهد التشطيري الجامد؛ مازال الشعب اليمني يعاني من الجهل والفقر والمرض – الثالوث الذي قامت الثورات اليمنية للقضاء عليه. كم صدع رؤوسنا علي صالح وهو يحتفل كل عام بأعياد الثورة ويدبج الخطابات المنمقة وكل ذلك ربما كان كاميرا خفية بحسب أحد الظرفاء ، حيث لم يتحقق شيئا يخدم الوطن والمواطنين وذهبت كل خطاباته واحتفالاته هباء منثورا!! وبالتالي لابد أن تكون ذكرى أعياد الثورة ذكرى تقييم للماضي والحاضر، كي ننطلق منها لبناء الوطن لا للتغني الزائف ، ويكفينا عذابات ، يكفينا ضياعا ، يكفينا تشظيا ، وحان وقت البناء والاستقرار.