من المخجل بحسب ما سرب الإسرائيليون أنفسهم أن النظام المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي يزاود على «إسرائيل» في المفاوضات التي كانت في القاهرة، بظهوره أكثر تشددًا فيما يتعلق بمطالب المقاومة. السيسي يورط مصر للمرة الثانية في الهدنة التي سبقت المفاوضات، بعد المبادرة الأولى التي تبين لاحقًا أنها تخدم الصهاينة، واتُخذت على عجل، دون استشارة المقاومة وطرح مطالبها. لكن المحاذير تكمن في بث الكراهية بين الشعوب، فبدأت تظهر على مواقع التواصل الاجتماعي انتقادات واسعة من قبل الشعوب المنحازة للقضية الفلسطينية ضد الشعب المصري نفسه، وهو ما يسعى له النظام هناك. غير ذلك يعلم السيسي أن موقف المقاومة أقوى من ذي قبل، و»إسرائيل» اعترفت بأنها تريد السلام فقط، ووقف إطلاق الصواريخ، مقابل فك الحصار، وفتح المعابر على أنواعها. تضييع الوقت ليس في مصلحة «إسرائيل»، ولا في الدول التي تساندها وتم فضحها أخيرًا من قبل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نفسه، فتلك الدول تخشى ارتدادات تهدد أنظمتها، وتحدث قلاقل في بلادها. ومن السيناريوهات المرجحة في الوقت القريب، استبدال الوسيط المصري بطلب من «إسرائيل» وحلفائها، ويمكن أن تكون المفاوضات برعاية تركية أو قطرية وحتى سعودية؛ لسبب بسيط هو أن مصر بدأت تضر بمصالح «إسرائيل» في تعنتها تجاه المقاومة الفلسطينية. ما لم يفهمه النظام المصري بعد، أن القضية لم تعد مرتبطة بحماس أو الجهاد الإسلامي، بل امتدت إلى الأراضي الفلسطينية كافة، وأصبحت عربية النهج والمضمون، وتعدت مستوى الإقليم؛ بدليل ما تشهده العواصم من احتجاجات. اليوم المقاومة الفلسطينية أثبتت أنها قادرة على الدفاع عن نفسها دون إسناد، ويبقى الدور الأهم على المفاوض الفلسطيني الذي عليه أن يتشبث بالرواية الحقيقية، ويدعمها بمعطيات الأرض التي تؤكد أن «إسرائيل» بلد محتل، وهنالك شعب يدافع عن نفسه وحيدًا. مصر تخسر كل يوم من مكانتها العربية، ويبدو أن ذلك مطلب أساسي للنظام هنالك؛ كونه لا يرغب في تحمل مسؤوليته من جهة تجاه القضايا المهمة، والابتعاد عن المشهد الكلي من جهة أخرى بعد انقلاب عسكري لم يتقبله العالم الغربي والعربي، ومحاولات التغطية المكشوفة. أخيرًا.. ستجد مصر نفسها في موقف لا تحسد عليه بعد سحب الطرف الأخير من البساط من تحت أرجلها، ولن تلعب دورًا هامًا في المنطقة، وهو ما ترغب فيه دول في المنطقة بعينها ورطت مصر في موضوع الانقلاب، وها هي تورطها مرة أخرى في موضوع غزة.