«إنها مسالخ وليست مستشفيات، يتم فيها سلخ المرضى وتشليحهم كل ما يمتلكون مقابل خدمات طبية وهمية »، ذلك ما قاله أحد المواطنين متحدثاً عن المستشفيات الخاصة بتعز، ومن واقع تجربة مريرة وقصة مأساوية حدثت له في أحد هذه المستشفيات اضطرته إلى رهن وبيع كل ما لديه من أجل العلاج، لكن بلا نتيجة، لأن ما دخل لأجله المستشفى للعلاج ظل كما هو ولم يحدث أي تقدم فيه، وهو ما جعله يصف القائمين على هذه المستشفيات بأنهم " جزارين بملابس أطباء". عندما كتبنا في فترات سابقة عن المستشفيات الخاصة، كُنا نطلب منها التعامل من منظور إنساني مع المرضى، باعتبارهم آدميين، إلا أننا الآن لم نعد نطالبها بإعمال الجانب الإنساني في عملها ولكننا صرنا نطلب منها أقل القليل وهو أن تقوم بعملها بأمانة وإخلاص وأن تطبب الناس بضمير، لا نريد منها أن تعالج الناس بالمجان بل أن تقدم خدمات طبية وعلاجية توازي نصف أو ربع ما تأخذه من مبالغ تنهبها من المرضى. مدير أحد المستشفيات الخاصة بتعز قال لي يوماً مبرراً اشتراط الدفع قبل الحصول على الخدمة الطبية، إن هذه المشافي هي عمل استثماري وسعيها وراء المال ليس عيباً أو حراماً طالما تُقدم بالمقابل خدمات صحية وطبية للمرضى، كما أن المال ضروري جداً لهذه المرافق الخاصة حتى تستطيع الوفاء بالالتزامات العديدة عليها مثل رواتب الأطباء والممرضين والطاقم الإداري وغيرها من الالتزامات، ولكن أمام المبالغ الباهظة والخيالية التي تستولي عليها من المرضى لا تُقدم سوى خدمات علاجية وهمية «لا تسمن ولا تُغني». إحدى مستشفيات تعز المتخصصة لا تخجل من الادعاء بأنها رائدة في جراحة العظام بينما الشواهد والأدلة تؤكد أنها رائدة في تكسير عظام المرضى وأهليهم، بسبب إدمان طاقمها الطبي على ارتكاب الأخطاء الطبية الفادحة في حق العديد من المرضى الذين ساقتهم الأقدار وحظهم السيء إلى دخول هذا المستشفى، وتشهد بذلك عديد الحالات المرضية التي أُجريت لها عمليات جراحية في هذا المستشفى وبمبالغ طائلة تتجاوز حاجز المليون ريال، لكنها في النهاية تكتشف أن كل معاناتها وما دخلت المستشفى لأجله لا يزال قائماً وكأنها لم تخضع لعمليات جراحية، هذا إن لم تزدد حالاتهم المرضية سوءاً. بكل وقاحة وصفاقة يقوم هذا المستشفى أو ذاك بابتزاز مرضاه "عيني عينك" ويوهمهم بإجراء عمليات جراحية، يتضح في النهاية أنها بلا جدوى، فقط مجرد طريقة لسلب ونهب أموال المرضى، وآخر الضحايا امرأة شاء القدر أن تتعرض لحادث أصيبت على إثره بكسور في بعض العظام لديها، وهو ما استدعى نقلها إلى المستشفى لسوء حظها وهناك قرر لها الأطباء إجراء عدة عمليات جراحية وظلت في المستشفى أكثر من ثلاثة أشهر وتكبدت أكثر من مليون وأربعمائة وثمانية وخمسين ألف ريال تكاليف العمليات الجراحية والرقود والعلاجات والتحاليل وغيرها من الوسائل الابتكارية المتبعة في مثل هذه المستشفيات لنهب المرضى وابتزازهم. آلام المريضة لم تنتهِ والسبب أن كل العمليات الجراحية التي أجريت لها لم تحقق الهدف منها أو تقترب منه ولو بنسبة بسيطة فزادت حالتها سوءاً، فتم نقلها إلى مستشفى خاص آخر في نفس المدينة، وهناك كانت الصدمة حيث اكتشف الأطباء المعالجون أن كل العمليات التي أجراها المستشفى السابق كانت خاطئة وتُصنف كأخطاء طبية لا يمكن أن يرتكبها كادر طبي متخصص. محكمة غرب تعز التي نظرت في القضية المرفوعة من المريضة ضد المستشفى انتصرت للحق والعدل، انتصرت للمريضة وإنسانية الإنسان وأصدرت حكماً باتاً قضى بإعادة المستشفى كل ما أخذه من رسوم من المريضة بالإضافة إلى مبلغ تعويضي، حيث صدر الحكم بإلزام المستشفى بدفع مبلغ مليون ونصف المليون ريال لصالح المريضة، لكن مدير المستشفى لا يزال يرفض الخضوع والإذعان لقرار المحكمة باستهتار وفي تحدٍ واضح وصريح لقرار المحكمة. النفس البشرية التي كرمها الله صارت رخيصة جداً في دهاليز المستشفيات الخاصة ببلادنا، فإلى متى سيستمر هذا الاستهتار بحياة الناس والمتاجرة بأرواحهم من قبل تُجار وسماسرة المستشفيات الخاصة؟! ألم يحن الوقت بعد لأن تلتفت الجهات المعنية لهذه المآسي التي تُرتكب بحق أبناء البلد وتحفظ لهم ولو أقل القليل من آدميتهم وكرامتهم المهدورة على عتبات "المسالخ" الخاصة.