تعذر توقيع اتفاق إنهاء الأزمة الحالية في اليمن إثر بروز نقاط خلافية بين الرئاسة وجماعة الحوثي، فالاتفاق الذي كان التوقيع عليه وشيكا أمس الجمعة، تحول دونه اليوم عراقيل كثيرة. وتحدث الناطق الرسمي باسم الحكومة راجح بادي في اتصال مع قناة «الجزيرة» عن تقدم في المفاوضات، ولكنه أشار إلى أن الحوثيين لديهم تعنت في بعض التفاصيل الدقيقة، مؤكداً إصرار الرئاسة والمجتمع الدولي على إخراج البلاد من أزمتها. ورغم أن المفاوضات توقفت دون التوصل إلى نتائج -وفق دبلوماسي في الأممالمتحدة- فإن مصدرا مقربا من المفاوضات أكد أن الرئيس عبد ربه منصور هادي أمر وفده باستمرار التواصل مع الحوثيين لحل المسائل الخلافية. وقالت مصادر مطلعة إن توقيع الاتفاق بين الحوثيين والرئاسة تعذر بسبب رفع الحوثي لسقف مطالبه وعرضه مطالب جديدة غير تلك الموجودة في الاتفاق، متوقعة أن يتم استئناف المفاوضات خلال اليومين القادمين بإشراف ورعاية مبعوث الأممالمتحدة إلى اليمن جمال بن عمر. وتحدثت مصادر إعلامية عن أن الحوثي يطالب بإنشاء جامعة لنشر الفكر الشيعي في المجتمع اليمني، إضافة إلى جملة من المطالب الخفية التي تقدم بها الحوثيون إلى الرئاسة تحت مظلة المطالب الثلاثة المعلنة والمتمثلة في إسقاط الجرعة والحكومة وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني. وفي وقت سابق أفادت مصادر مطلعة بأن هناك خلافا بين المتفاوضين حول عدد من النقاط في مقدمتها رفع اعتصامات الحوثيين من داخل صنعاء ومنافذها. وبحسب المصادر فإن الحوثي يريد رفع الخيام والاعتصامات على مرحلتين، تتمثل المرحلة الأولى برفع الخيام المتواجدة في شارع المطار وأمام وزارة الاتصالات مقابل إقالة حكومة الوفاق، فيما تتمثل المرحلة الثانية بإسقاط الجرعة بشكل نهائي مقابل انسحاب الاعتصامات والمخيمات المسلحة من منافذ العاصمة. وذكرت أن الرئيس هادي رفض ما طرحه الحوثي واشترط انسحاب الحوثيين بشكل كامل من داخل العاصمة ومنافذها دون أي مراحل، وكذا توقيع عبدالملك الحوثي شخصيا على الاتفاق. في الغضون حمّلت الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية جماعة الحوثي مسؤولية تدهور الوضع الأمني بصنعاء. وعبرت عن قلقها البالغ من الأنشطة العلنية لجماعة الحوثي والتي أدت إلى حالة عدم الاستقرار، محذرة أطرافا سياسية -لم تسمها- قالت إنها تشجع على تدهور الأوضاع في اليمن. وأدانت العشر، في بيان صادر عنها اليوم، الأعمال التي تمارسها جماعة الحوثي والتي تسعى إلى استغلال حالة عدم الاستقرار الحالية لتحقيق أجندات سياسية ضيقة، مشيرة إلى أن الظروف تستدعي من كل اليمنيين أن يعملوا معاً لتحقيق المصلحة الوطنية. واستنكرت البيانات العلنية للحوثيين والتي قالت إنها تعني جوهريا تهديدات لإسقاط الحكومة اليمنية، محملة الجماعة المسلحة مسؤولية تدهور الوضع الأمني بصنعاء، وعدم الإنسحاب الكامل من عمران، وكذلك اشتراكها في مواجهات مسلحة في الجوف، وفقا لما ذُكر في بيانات مجلس الأمن الدولي بتاريخ 11/7/2014 وتاريخ 29/8/2014. في المقابل، قالت صحيفة «القدس العربي» إن مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لليمن جمال بن عمر تمكن من نزع فتيل الحرب بين جماعة الحوثي المسلحة وبين القوات الحكومية في العاصمة صنعاء خلال اليومين الماضيين، وأدخل الطرفين في مفاوضات عسيرة، من أجل التوصل الى اتفاق نهائي حول القضايا التي كادت أن تسقط البلد في منزلق الحرب الأهلية. وذكرت مصادر رسمية أن المبعوث الأممي تمكن من احتواء الأزمة السياسية التي أربكت الوضع السياسي والاقتصادي وكانت شرارة الحرب بدأت بالاشتعال في العديد من المناطق في العاصمة صنعاء والتي رشحت الوضع للانفجار العسكري. ونقلت الصحيفة عن رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية، فارس السقاف قوله إن «مفاوضات عسيرة تدور بين الدولة وبين جماعة الحوثي برعاية بن عمر الذي جمع ممثلي الطرفين منذ وصوله الى صنعاء مساء الأربعاء». وأوضح أن المفاوضات تسير ببطء بين الطرفين، غير أنه تم التفاهم حول الخطوط العريضة للاتفاق ولكن لازالت هناك اختلافات عميقة تدور حول التفاصيل وأنه لا يتوقع أن يتم حسم بعض هذه الاختلافات سريعا، خاصة وأنها مرتبطة ببعضها. وأشار إلى أن المفاوضات تدور حول العديد من القضايا الرئيسية وفي مقدمتها تشكيل حكومة جديدة، تخفيض أسعار المشتقات النفطية، ورفع المخيمات والاعتصامات الحوثية من داخل العاصمة صنعاء وما حولها، وانهاء المظاهر المسلحة فيها. وذكر أن الحوثيين وافقوا على بعض هذه القضايا غير أنهم رفضوا رفع الاعتصامات والمخيمات دفعة واحدة وأنهم وافقوا على رفعها على دفعتين، وهو ما رفضه الرئيس عبدربه منصور هادي. من جهة أخرى ذكر القيادي في جماعة الحوثي بصنعاء علي العماد أن «عملية المفاوضات جارية بسلاسة غير أنها تعيش حاليا في مرحلة بين مرحلتين، بين لا خلاف ولا اتفاق». وقال: «يمكن اعتبار أن الاتفاق المراد الوصول اليه في حكم (المعلق)، نظرا للاختلافات حول بعض القضايا التي تعتبرها جماعة أنصار الله (الحوثيين) جوهرية، وأن المفاوضات قد تأخذ وقتا طويلا حتى تناقش كافة القضايا العالقة وتضع لها حلول جذرية ونهائية». وأعرب عن تفاؤله بوصول الطرفين الى اتفاق ايجابي، خاصة وأن المفاوضات تسير بشكل ايجابي عبر شخصيات جادة ومرضي عنها من قبل جميع الأطراف. إلى ذلك نفى عضو المجلس السياسي لجماعة الحوثي علي البخيتي ما تردد عن أن وفدا رئاسيا يضم عبدالكريم الارياني مستشار الرئيس هادي وأمين صنعاء عبدالقادر هلال توجه مساء أول من أمس إلى صعدة للقاء زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي. وقال البخيتي في تصريح نشرته صحيفة «السياسة» الكويتية: «سنعلن عن أي اتفاق حال التوصل إليه لأننا نطالب بحقوق مشروعة للشعب وبالتالي لن نقبل بصفقات في الغرف المغلقة, ولن نقبل باتفاقات أو تفاهمات سرية لا يطلع عليها الشعب, ومن هنا أدعو الجميع إلى عدم الالتفاف إلى التسريبات». وأضاف: «نعم هناك مفاوضات جارية ووساطات عدة, فنحن منفتحون على كل الحلول السياسية ولن نغلق هذا الباب مهما كانت الظروف, لأننا نسعى إلى السلام والحفاظ على أمن واستقرار اليمن, لكننا في الوقت نفسه لن نوقف تحركاتنا الجماهيرية على الأرض». ولفت إلى أن أي مفاوضات ستترافق مع استمرار التصعيد وتوسع الاعتصامات والحركات الاحتجاجية ولن نتوقف عن ذلك إلا عندما نصل إلى اتفاق واضح يلبي طموحات ومطالب الجماهير التي خرجت إلى الشارع, ويُشرع في تنفيذه. ورأى أن « التنفيذ عندنا هو المعيار لا مجرد التوقيع, لأن هناك أزمة ثقة بيننا وبين السلطة منذ اختتام أعمال مؤتمر الحوار». ونفى البخيتي تدخل مساعد الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه إلى اليمن جمال بن عمر في المفاوضات, مؤكدا أن لا مانع من أن يكون حاضرا ليكون شاهدا على الجميع وليساعد على تقريب وجهات النظر. وفي الوقت الذي نفى فيه القيادي الحوثي البخيتي التوصل إلى اتفاق اتهم أطرافا بالسلطة بعرقلة تقدم المفاوضات بين الطرفين. وتحدث عن بوادر انقلاب على المسار السياسي، وقال: «شدوا الأحزمة, وتجهزوا للأسوأ من النظام, يظهر أنه سيقذف بأوسخ ما في جعبته خلال الساعات القليلة القادمة». أما عضو المكتب السياسي لجماعة الحوثيين في صنعاء محمد البخيتي فقال إن ثمة تقدما كبيرا بخصوص التفاوض، ولكنه أشار لوكالة الأنباء الألمانية إلى أن هناك عددا من البنود التي لا يزال التفاوض يجري بشأنها، دون أن يفصح عنها. وكانت العاصمة صنعاء شهدت توترا سياسيا وعسكريا خلال الأسبوع المنصرم، وبدأت شرارة الحرب بالاشتعال في الضواحي الجنوبية وأطراف العاصمة صنعاء بالإضافة الى التوتر الكبير والتمترس حول الأسلحة في عمق العاصمة صنعاء، وكان كل الأطراف الحكومية والحوثية يتهيؤون لخوض أوار الحرب، غير أن مبعوث الأممالمتحدة سارع في احتواء الأزمة ونزع فتيل الحرب في اللحظات الأخيرة. وعاشت العاصمة صنعاء خلال الأيام الماضية حالة قلق بالغ ونزوح داخلي ومغادرة للبلاد خشية اندلاع الحرب في اي لحظة، وخاصة مع تسارع التصعيد العسكري الحوثي حول العاصمة صنعاء وعدم وجود رؤية حكومية واضحة لمواجهتها وشعور السكان بعدم الأمان في كل الأحوال.