استطاع صالح خلال فترة حكمه لليمن و التي استمرت ما يقارب الثلاثين عاما من تكوين ثروة ضخمة مستغلا نفوذه و قوته كرئيس للدولة. وكما هي عادة الزعماء العرب احتفظ صالح بجزء كبير من هذه الثروة في أوربا و أمريكا و أفريقيا على هيئة أصول بإسمه أو بأسماء أعوانه. جاءت ثورة فبراير فقلبت الموازين و غيرت المعادلة و لأن صديق تحالفات الأمس أصبح عدو مصالح اليوم بدأ المجتمع الدولي بالضغط على صالح ملوحا بأمواله – صالح – في دولهم و قدرتهم على تجميدها إن خرج عن إرادتهم ! وهنا قرر صالح بدهاءه المعهود نقل أمواله إلى دول لا تؤمن بالملاحقات القانونية ولا بمعاقبة المجرمين ما داموا يحققون مصالحهم و تم له ذلك فحول معظم أمواله إلى السعودية و الإمارات وبعض الدول الأفريقية، واطمأن قلبه إلى ما تربطه بهم من مصالح وملفات سرية. تعدى دهاء صالح قدرته على تحويل أمواله إلى إقناع السعودية و الإمارات بأنه ما زال حارسهم الأمين و راقصهم البارع في اليمن فاشترط تعيين أبنه أحمد سفيرا في الإمارات وعمار صالح ملحقا عسكريا في أثيوبيا و طارق صالح في ألمانيا ليقوموا بالحفاظ على ثروته و مصالحه و شبكة علاقاته و يؤدوا أدواره التي قد يعجز عنها بسبب حذره من تسميته كمعرقل للعملية السياسية. و كما يقول المثل هذا الشبل من ذاك الأسد تمكن أحمد علي من استغلال فوبيا الإخوان التي انتابت الإمارتيين مؤخرا فأقنعهم بقدرته على القضاء على إخوان اليمن – الإصلاح – عن طريق الزج بهم في معركة مع الحوثيين – أيادي إيران في جنوب جزيرة العرب, وأن هذه المعركة ستنهك الطرفين فيأتي هو والجيش الموالي والقبائل المناصرة له فيحسموا المعركة بالقضاء على الطرفين ! لكن هذه المرة على غير العادة تعلم الإصلاح أن دخول الحرب بدون غطاء شرعي من الدولة سيكون القشة التي تقضي على التجمع بأكمله. لم يغامر هادي بدخول معركة تحرق الأخضر و اليابس و هو أعلم الناس برئيسه السابق فاتخذ أخوان اليمن قرارا حكيما و طأطأوا رؤوسهم حتى ينتهي موسم الرياح العاصفة. ظلت مؤشرات تغير خارطة القوى اليمنية الفاعلة تتسارع بصورة درامتيكية بينما ظل صالح و نجله يقنعون حلفاءهم بأنهم يمسكون خيوط اللعبة جيدا, ثم أصبحت اليمن والمنطقة من حولها على واقع جديد يقول لسان حاله أن عاصمة الدولة سقطت بأيدي أنصار الله في أيام معدودة وأن إيران باتت يومها تطبق الخناق على عاصمة جنوب الخليج كما تحاول إطباقها على عواصم شمال الخليج. أنقلب السحر على الساحر وما حسبه صالح دائما تغير في ليلة وضحاها, تلك السياسة مجددا وغلطة الشاطر بألف ! انضمت الإمارات أخيرا للحلف الدولي ضد صالح و باتت من أشد المطالبين بإيقاع أقصى العقوبات عليه وعلى أعوانه عقابا لخيانته لهم وتهديده لسيادة ومصالح المنطقة برمتها. جن جنون صالح هذه المرة و أصبح كقطة حشرت في زاوية, بعث الرسائل والرسل ملوحا بالجزرة تارة فعرض على حلفاءه السابقون القضاء على الحوثي إن هم تخلوا عن هادي ودعموه ونجله, فلما لم تنفع الجزرة و أصبحت جميع خطابات ورسائل المجتمع الدولي والخليج تؤكد على شرعية ودعم الرئيس الحالي وتهدد صراحة بتجميد أموال صالح – والتي يتواجد جزء كبير منها في الإمارات المشاركة في دعم العقوبة, قرر صالح التلويح بالعصا. وكانت العصا هذه المرة قوة الشعب الغاضب من كل ما يحدث من حوله, وقدرته على إثارة زوبعة عنف هنا وهناك مستغلا الوضع المشتعل أصلا. اجتمع صالح بنفر من رجاله وخرجوا بحيلة شيطانية تجمع الشعب اليمني الغيور من حوله مجددا وتنسيهم مصادر أموال صالح أو أسباب العقوبات الدولية , خرج صالح متهما السفير الأمريكي بانتهاك السيادة الوطنية والتدخل في الشأن اليمني ومطالبته صالح بالرحيل عن اليمن لتفادي العقوبات! يبدو أن صالح نسي أن باع أراض يمنية للسعودية لكن الشعب اليمني لم ينسى, كما يبدو أنه نسي أن الجيش السعودي دعمه في جميع حروبه على صعدة لكن الشعب اليمني لم ينسى ! و يبدو أنه نسي أيضا أن الطائرات بلا طيار وتدخل الخارج في الشأن اليمني بحجة الإرهاب لم تبدأ إلا في عصره لكن الشعب لم ينسى. ويبدو أن صالح لم يتنبه إلى أن الشعب اليمني يطالب بجانب التجميد بالكشف عن هذه الأرصدة والأموال وعودتها لليمن في أقرب وقت لتساهم في بناء ما هدمه وما يهدمه هذا الرجل منذ تولى كرسي الحكم وحتى اليوم.