حذر مراقبون وخبراء سياسيون من خطة تقودها عدة دول خليجية بالتنسيق مع الباجي قايد السبسي، المرشح للانتخابات الرئاسية التونسية، حيث تعمل الخطة على عدة محاور تنفذ خلال الأشهر القادمة، وتهدف في النهاية لعزل حزب النهضة التونسي (ذي التوجه الإسلامي) سياسيا، وربما إدراجه على قوائم التنظيمات الإرهابية في تونس، والزج بقياداته في سجون السلطة التونسية. وتأتي هذه الخطة بالرغم من كافة التنازلات السياسية التي قدمتها حركة النهضة في تونس للخروج بالبلاد من خناق الأزمات السياسية والعمل على إحداث حالة توافق عامة في البلاد. وبحسب المراقبين فإن الخطة الخليجية التي أكدت مصادر صحفية أنه تم وضع ملامحها الأولية في "باريس" خلال اجتماع ضم مسؤولين بأجهزة مخابراتية خليجية، وممثلين عن المرشح الرئاسي قايد السبسي، وعدد من الأحزاب المؤيدة للرئيس التونسي الهارب زين الدين بن علي، تضم عدة محاور أساسية. وأوضح المراقبون أن محاور تلك الخطة تتمثل في تقديم الدعم المادي والإعلامي القوي لقايد السبسي في جولة الإعادة بالانتخابات التونسية التي ستجرى نهاية الشهر الجاري بينه وبين الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي، والذي يمثل لدى قطاعات تونسية كبيرة الثورة التونسية. كما أن الخطة تتضمن العمل على عزل حزب "النهضة" التونسي، والذي يمثل جماعة الإخوان المسلمين في تونس، بحيث يتم منع "النهضة" من تسلم أي مركز في الحكومة التونسية المقبلة، ومحاصرة الحزب وشيطنته في وسائل الإعلام العربية واستفزازه، لكي يتورط في عمليات مواجهة وعنف، فيتسبب في استنفار المجتمع التونسي ضده، ومن ثم اتخاذ إجراءات قانونية تشبه الإجراءات المصرية ضد جماعة الإخوان المسلمين في مصر. رائحة النفط تفوح في الانتخابات التونسية: وتحت مقال بعنوان "رائحة نفط في الانتخابات التونسية" نشر الدكتور محمد صالح المسفر – الكاتب والباحث القطري وأستاذ العلوم السياسية في جامعة قطر – المعلومات السابق ذكرها، مؤكدا أنها نشرت في موقع "القدس برس". وأكد المسفر في مقاله بصحيفة "العربي الجديد" والذي نشر بتاريخ (1 ديسمبر 2014) أن اجتماعا عقد بين فريق المرشح في انتخابات الرئاسة التونسية، الباجي قايد السبسي، ومندوبين من دول خليجية في باريس، تركّز على كيفية عزل حزب النهضة ومنعه من تسلم أي مركز في الحكومة التونسية المقبلة، ومحاصرة الحزب وشيطنته واستفزازه ليؤول به الحال كما آل بجماعة الإخوان المسلمين في مصر. السيسي والوساطة الفرنسية: وأشار المسفر إلى وجود دلالات تؤكد صحة هذا الخبر، تتمثل في قيام عبد الفتاح السيسي (رئيس سلطة الانقلاب في مصر والمدعوم من دول خليجية) بزيارة باريس الأسبوع الماضي، وتغيير لهجة الرئاسة الفرنسية تجاه تونس والحراك السياسي هناك. وبحسب "المسفر"، فإن معلومات متسربة من باريس تؤكد أن من اجتمعوا في باريس مع رجال قايد السبسي، وعدوا بأن تقدم دولهم منحة بين 7 إلى 10 مليارات دولار لإنجاح مشروع السبسي في تونس. واعتبر الكاتب والمحلل السياسي القطري "أنه إذا صدقت كل تلك المعلومات، فإن الأمر في غاية الخطورة، ليس على تونس وحدها، وإنما أيضاً على دول الخليج التي تقف وراء اللعب في ميدان الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التونسية، مشيرا إلى أن مكمن المخاطر في تونس يقع في تأليب الجنوبالتونسي الذي ظل محروماً من المشاركة السياسية والحياة الرغدة ضد النظام السياسي، إذ استبد به أهل الشمال والساحل والغرب التونسي بقيادة الباجي قايد السبسي. أما بشأن المخاطر التي ستواجه هؤلاء اللاعبين من أهل الخليج، في ميدان الانتخابات التونسية، بالمال والتحريض السياسي والأمني، فأكد المسفر أن "مجالهم الداخلي سيكون مفتوحاً لكل الاحتمالات، الأمر الذي سيربك الحياة الاستثمارية والاستقرار الاجتماعي في منطقة الخليج العربي. وأتمنى ألا يقول أحد من القيادات المسؤولة في دول مجلس التعاون إن أمن بلادهم محصن، ولا يمكن اختراق مجتمعاتهم". وأبدى "المسفر" استهجانه الشديد من كل المحاولات الداعية إلى إبعاد حزب النهضة عن المشاركة في العرس الديمقراطي التونسي، إذ كيف يطلب الحياد من حزب من أكبر الأحزاب التونسية، وعانى بعض قادته عذاب السجون في العهود السابقة، وحزن الابتعاد عن الوطن قسراً. السبسي يتهم المرزوقي بدعم الإرهاب: وبحسب مراقبين، فإن أبز التصريحات التي تؤكد الخطة الخليجية بالتعاون مع قايد السبسي مرشح حزب نداء تونس، هو التصريح الذي أدلي به السبسي عقب انتهاء الجولة الأولى من الانتخابات التونسية، والذي أثار حفيظة كثير من التونسيين وأدى لخروج العديد من المظاهرات ضدة. وكان السبسي قد اتهم محمد المنصف المرزوقي في تصريح لإذاعة مونت كارلو بمساندة السلفيين الجهاديين له في عملية الاقتراع، في إشارة إلى اتهامه بدعم الإرهابيين. وقال السبسي، لراديو مونت كارلو: "إنّ حركة النهضة والسلفيين الجهاديين وروابط حماية الثورة ساندوا المرزوقي في الانتخابات"، مضيفًا: "مع الأسف، سيكون هناك انقسام، الإسلاميون من جهة، وجميع الديمقراطيين وغير الإسلاميين من جهة ثانية"، وهو الأمر الذي فسره كثير من المراقبين بأنه بداية لتقسيم خطير للشعب التونسي إلى: إرهابيين وديمقراطيين، في رسالة إلى الخارج، بأن الإرهابيين بمن فيهم الإسلاميين وحزب النهضة يؤيدون المرزوقي بينما يناصر السبسي الديمقراطيين!. النهضة تحذر من خطر خطاب التحريض: من ناحيته، دعا رئيس حركة النهضة، الشيح راشد الغنوشي، في بيان لها سابق: "المترشحين للدور الثاني من الرئاسية وأعضاء حملتيهما الانتخابية وكافة الشعب التونسي إلى الالتزام الصارم بخطاب التهدئة بعيدًا عن الاستفزاز والتجييش والتشهير والتنابز والتراشق بالتهم". ونبهت حركة النهضة على "خطورة خطاب التحريض ورد الفعل وتقسيم التونسيين على أساس انتمائهم الفكري أو السياسي أو الجهوي"، داعية التونسيين والتونسيات إلى "المضيّ قدمًا نحو استكمال المحطة الانتخابية الرئاسية الثانية في إطار الهدوء والمحافظة على وحدتنا الوطنية والاجتماعية". كما دعا الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (اتحاد الأعراف) إلى تجنب كل سلوك يثير النعرات الجهوية والتفرقة بين التونسيين. وقال الاتحاد في بيان له: "إزاء حالة التوتر والاحتقان التي تسود الساحة السياسية الوطنية في الأيام الأخيرة وبروز دعوات للتباغض والكراهية والتناحر وحتى محاولات تقسيم التونسيين على أسس جهوية، فإن الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية يعبر عن رفضه المطلق لهذه الأساليب وينبه إلى خطورة هذه الانزلاقات على وحدة الشعب التونسي وتماسكه". نموذج مرسي وشفيق يتكرر: ويرى خبراء سياسيون أن السيناريو المصري في الانتخابات الرئاسية عام 2012 يلقي بظلاله من جديد على الانتخابات التونسية، حيث إن وصول السبسي المحسوب على نظام بن علي، والمنصف المرزوقي المحسوب على الثورة والمدعوم من التيار الإسلامي، إلى الجولة النهائية من انتخابات الرئاسة التونسية، يعيد إلى الأذهان نموذج مرسي وشفيق في مصر عام 2012. وبحسب الخبراء، فإن مسار التحولَ الديمقراطي سيصبح في خطر شديد إذا ما وصل "السبسي" للحكم، وسط مخاوف أن تعود الحياة السياسية فيها إلى ما كانت عليه في حكم بن علي من سجن وقهر وظلم واستبداد مرة أخرى. تحريض إعلامي متواصل: في المقابل تتمادى وسائل الإعلام المصرية والعربية في لغة التحريض المتواصل على حزب النهضة التونسي، وتربط دائما بينه وبين ما يسمى ب"التنظيم الدولي للإخوان المسلمين" فضلا عن اتهامهم المستمر بدعم الإرهاب في جنوبتونس. وبحسب المراقبين فإن الإرهاب أصبح سوطاً يلهب ظهور المعارضين في معظم دول الوطن العربي، وخاصة بلدان الثورات العربية، ومن السهل الانتقام من منافسك في الانتخابات، أو المعارض للنظام السياسي في وطننا العربي، فقط باتهامه بالإرهاب، أو بالانتماء إلى التيار الديني الجهادي، أو التطرف الديني السلفي، وغير ذلك من تسميات تثير الفزع عند العامة، وهي الخطة التي استخدمها ولازال يستخدمها حكام الدول الخليجية في القضاء على ثورات الربيع العربي لتحرير الشعوب من ديكتاتوريات الأنظمة القمعية.