تتفاوت أحلام الناس من الصغير إلى الكبير؛ فمن الناس من يحلم بأكلة لذيذة، حتى إذا نالها وتناولها وامتلأ البطن انطفأ الحلم وندم على الإكثار من الطعام، وبعدها بأيام يحلم بالطعام اللذيذ من جديد. ومن الناس من يحلم باللباس الأنيق، حتى إذا تحقق الحلم وارتدى الفاخر من الثياب ليوم أو يومين انطفأ الحلم وذهبت البهجة، وبدأ يطوف في حلم آخر. ومن الناس من يحلم بالسيارة اللامعة وبركوب «الجيب» الواسع المرتفع، ثم إذا تحقق الحلم بعد سنوات أحس بأن الأمر لا يستحق كل هذا التفكير، وأنها في النهاية سيارة عادية تستخدم للتنقل، وظهرت مشاكل لم تكن بالحسبان، فمصروفها من الوقود أضعاف مضاعفة، وصيانتها مكلفة وأعطالها تحتاج إلى مبالغ كبيرة، والخوف عليها من السرقة مقلق ودائم. ومن الناس من يحلم بالبيت الجميل والفيلا الأنيقة، فإن تحقق الحلم بعد سنين طويلة طويلة ومبالغ كبيرة كبيرة، وسكن الحالم في القصر وانقلب عليه عام أو أقل ذهبت البهجة واعتاد على الدخول والخروج، وطارت الدهشة وذهبت الفرحة، وبدأت التراجعات فلو ارتاح من هذا الجار، ولو كان الموقع في حي آخر، ولو كانت هذه الغرفة أوسع قليلا، ولو كان المدخل من الجهة الأخرى لكان أجمل! وظهرت أحلام جديدة مختلفة. ومن الناس من يحلم بالرصيد الكبير، حتى إذا أخذ الحالم بقبض يده والتقصير في الحقوق والواجبات والمروءات لسنوات طوال متتابعة، واعتاد على الادخار فسيبقى في قلق؛ خوفا من تناقص قيمة العملة وانهيار السوق واختلال النظام في البلد وظهور الفاسدين الذين يأكلون الأخضر واليابس، وسيشك في المقربين منه وطمعهم في أمواله. فإن سلم من كل هذه الآفات، خشي من الموت الذي سيقضي على كل جهوده، فإن أبعد فكرة الموت عن باله، فسيبقى تحت وطأة الشعور بأن المبلغ المدخر ما زال صغيرا، ولا بد من مضاعفته وتكثيره! وقد حضر عند قريب لي أخوان غنيّان، وبينما كان الأول مشغولا تحدث الآخر قائلا: «يظن الناس أني غني، لكنهم مخطئون، فأنا أملك القليل 18 مليونا، بينما أخي يملك 78 مليونا، فأنا فقير بالنسبة له!». ومن الناس من يحلم بالشهادة العالية، حتى إذا حصل عليها صدمه الواقع، إذ لم يقدره الكثيرون فالشهادات تملأ البلد، ثم قد لا يجد العمل المناسب أو الراتب المناسب، فيرضى بالقليل وهو يشعر بالغبن وانطفاء الحلم. ومن الناس من يحلم بحسناء جميلة، حتى إذا تزوجها وعاش معها، اعتاد على الشكل وذهب الانبهار بجمالها، ودبت الغيرة الكبيرة عليها، وبرزت له عيوب عديدة في أخلاقها وكلامها، وانطفأ الحلم مجددا. لاحظ معي انطفاء الأحلام في هذه الحياة الدنيا، والسبب هو (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور)، فهي زينة ومتعة ولذة خادعة سريعة الزوال قريبة الانطفاء كعشب الأرض الأخضر الذي سرعان ما يناله اليبس لتذروه الرياح «وكل نعيم لا محالة زائل». لكن هناك أحلام لا تنطفئ «عند الله نعيم لا يزول»، وهذه الأحلام هي التي ترتبط بالله وبالدار الآخرة، فرض الله على رأس هذه الأحلام، فتخيل نفسك تسير على الأرض وقد غمرك رضا من الله لا يتغير ولا يتبدل! وهناك نعيم الجنة الدائم، وتخيل نفسك وقد دخلتها وصرت تتقلب بسعادة لا تزول ولا تشوبها الهموم والأحزان، وبمتعة ولذائذ لا تتلاشى ولا تنقص ولا تُملّ ولا تُسأم. لا أعترض على أحلام الناس، ولكن أوجههم إلى الأحلام المنيرة التي لا تنطفئ أبدا.