تعددت مصادر مشروعية وجود وبقاء الرئيس عبد ربه منصور هادى في حكم اليمن، فهناك الاتفاقات والتوافقات الداخلية من الحوار الوطني الى اتفاقات الشراكة، وهناك المبادرة الخليجية وارتباط الرئيس ونظامه باستمرار دور الاممالمتحدة في التعامل مع الازمة الداخلية. غير أن معظم أشكال المشروعية التي تمتع بها الرئيس هادى لم تصمد في مواجهة الحوثيين وانقلابهم العسكري ، أو أن هذه المشروعية لم تمنح الرئيس حالة من الحصانة والقوة في مواجهة استيلاء الحوتيين على مقر إدارة الدولة والعاصمة والمؤسسات، حتى وصل الحال أن قال المستشار السياسي للرئيس- بأن من يحكم اليمن الآن هم الحوثيون، الذين سيطروا على مؤسسات الدولة وباتوا يحتكرون عوامل القوة التي تفرض لهم سيطرتهم وسلطانهم . تلك الوضعية تكشف عن من يحكم "فعليا"، وتوقف التساؤلات التي راجت في فترة سابقه، وتحسم الجدل حول ما اذا كانت الحكومة الجديدة ستغير تلك الوضعية –إذ هي فاقدة لما يمكنها من فعل أي شيء-لكنها تفتح الباب لتساؤلات اعقد حول احتمالات بقاء الرئيس هادى وطبيعة عوامل المشروعية التي يتمتع بها في ظل الوضع الراهن، ومن يمثل وعن من يعبر خاصة والبلاد تموج بالقوى الأخرى –كالحراك الجنوبي والقاعدة- وكلها إلى جانب الحوثيين في وضع أقوى من الدولة ومؤسساتها . والرئيس هادى يتمتع وحده –وفقاً للأوضاع الجارية- بميزه تجعله متفرداً بين كل حكام العالم، فهو رئيس لا يملك قراراً باستخدام القوة ضد أي طرف، إذ القوات المسلحة وأجهزة الأمن ووزارة الداخلية كلها لا تأتمر بأمر الرئيس ولا حتى من الناحية الشكلية. والقصد أننا أمام رئيس حكمه عار من القدرة على ممارسة القوة ضد أي طرف من الأطراف الأخرى المسلحة. وهو رئيس لديه حكومة لا تملك اية مقومات تمكنها من فعل شيء حقيقي أو حتى من الدفاع عن مقراتها –خاصة بعدما حاصر الحوثيون مقر وزارة الدفاع نفسها -سواء لأن المؤسسات تحت سيطرة الحوتيين وأنصار صالح، أو لأن الجغرافيا الطبيعية والسياسية باتت ترعى في وادى أخر غير وادي الحكم . وفى ظل هذه الأوضاع، يمكن القول بأن سر بقاء هادى رئيساً، أو سر الابقاء عليه رئيساً، هو قبوله بتلك المعادلة التي رأتها قوى الانقلاب أفضل ما يمكن أن يخدم مصالحها، إذ تلك القوى لم تكن تريد أن تبدو في بداية حركتها بمظهر الانقلاب بالقوة المسلحة أمام الناس والعالم الخارجي. بقاء الرئيس هادى مع قبوله ما يفرض عليه قلل ردود الفعل واضعف احتمالات المواجهة الشعبية. تلك القوى مارست حالة انقلابية متدرجه زاحفه، وكان مهما وضرورياً لإنجاح تلك الخطة، أن يظل الرئيس هادى في مكانه مع تطويع ارادته شيئا فشيئا، ليوقع على كل اتفاق او ليذعن امام الضغوط فيمرر الانقلابين جرائمهم وكأنها توافقات مع السلطة الشرعية وبموافقتها . لذا يبدو امرا محيرا ما تموج به اجهزة اعلام عن استعدادات لتنحية الرئيس هادى، فهناك شائعات تتردد حول تحضيرات لانقلاب عسكري يقوده صالح عبر اعوانه بالجيش. واخرى تتحدث عن خطة ايرانية لاستبدال صالح بجنوبي اخر عبر انتخابات او تغييرات درامية، وان تلك الخطة اخذت مدى في تنفيذها عبر ابعاد رجل ايران الحالي في قيادة الحراك الجنوبي (على سالم البيض) واحلال اخر يكون قابلا للتعاون مع الحوثيين بشكل اوثق (على ناصر محمد) وبدون مشكلات تعرقل تطور مشروعهم في السيطرة على اليمن كله. تلك الشائعات تظهر أن هناك من بات يرى أن سيطرة الانقلابين قد اخذت مساحتها الكافية، وأن أوان التخلص من الرئيس هادى او من الغطاء الذى شكله وجوده في السلطة، قد صار حالاً الآن، سواء لأن لعبة الانقلاب باتت ظاهرة بشكل فج في ضوء مقاومة بعض القبائل هنا او هناك، أو لأن ما كان مطلوباً من هذا الغطاء قد تحقق . وربما تكون مثل تلك الشائعات بالونات تحذيرية للرئيس، إذ يتخوف الانقلابيون من احتمال تجمع والتفاف بعض رجال الدولة حول هادى وسط دفع جماهيري بدء يفيق من صدمة ما جرى، بما يحدث حالة مقاومة واسعه للانقلاب في لحظة خطرة كالتي يعيشها الان. فالانقلاب الآن في لحظة انكشاف خطره بحكم تنامى الوعى الشعبي بما جرى ويجرى، كما ثمة تحول في مواقف بعض الدول الرافضة للانقلاب الحوثي من الصمت إلى التعبير عن الرفض. هل آن أوان رحيل هادى ؟