تحت عنوان مكافحة الإرهاب ومحاربة الدواعش والتكفيريين خاضت الحركة الحوثية المسماة "أنصار الله" جميع حروبها الأخيرة من "دماج" ضد السلفيين في أواخر العام الماضي، إلى بسط سيطرتها على كامل المحافظات الشمالية، وبضراوة غير معهودة دخل الحوثيون المدن مستفيدين من رئيس لا يسأل عن شيء، ومن رغبة الرئيس السابق الانتقامية. وحديث الحوثيين عن قتال تنظيم القاعدة ضدهم ليس كله مسوغات مفتراة، فالقاعدة لها حضور فعلي في اليمن، والوحشية التي ابداها الحوثيون في التنكيل بخصومهم، وتوجههم نحو المذهب الشيعي الاثنا عشري ضاعف من تعاطف المجتمع اليمني السني مع تنظيم القاعدة، واعتقد أن هجرة كبيرة ونزوحا مؤكدا من صفوف الجماعة السلفية يتجه نحو الجماعات الجهادية، دفاعاً عن معتقداتها –وليس عن أوطانها- فالفكر الجهادي ينطلق من أسس ومعارف دينية ولا يعترف بالهوية الوطنية كمكون رئيسي لشخصيته.. والتعاطف مع القاعدة أشار إليه بوضوح مستشار رئيس الجمهورية الدكتور عبدالكريم الإرياني في مقابلته الشهيرة الشهر الجاري مع صحيفة 26 سبتمبر، وقال "أؤكد أن ما عمله أنصار الله "الحوثيون" زاد من عدد المنضمين إلى القاعدة ولم ينقصهم، وأجزم بذلك" واعتبر "الحوثية حركة سياسية غير مدنية تسعى إلى تحقيق أهدافها بالطرق والوسائل العسكرية، وممارساتها هدمت الدولة، ومنحت نفسها حق محاربة القاعدة وتحقيق الأمن، والسلاح الذي بيدها يفوق سلاح الدولة".. ولأن الحوثيين يدركون جيداً ثقل كلمة الإرياني في الدبلوماسية الغربية فقد شنوا حملةً إعلامية عدائية كبيرةً ضده، وصلت إلى حد الطعن بوطنيته. استمر الحوثيون بتسويق أنفسهم كعقار "مكافح للإرهاب".. من دماج إلى محافظة عمران شمال صنعاء، ثم اسقطوا العاصمة بأيديهم، وبعدها سقطت كل محافظات الشمال، أما الجنوب فسيكون له إسقاط من نوع آخر.. وفي كل منطقة يصطدمون فيها بالمقاومة الشعبية المناهضة لتواجدهم يتكاثر الحديث عن الإرهاب والدواعش حتى وصل إلى الرئيس هادي. صباح الاثنين الماضي قرر وزير الدفاع اللواء محمود الصبيحي تمكين رئيس هيئة الأركان اللواء حسين خيران من دخول مكتبه، فقد منعته اللجان الحوثية من مزاولة عمله منذ تعيينه في السابع من الشهر الجاري، وأعقب ذلك توتر دفع بوزير الدفاع إلى طرد جميع الحوثيين من وزارته، ثم التحرك المفاجئ والسريع لرئيس الجمهورية إلى مجمع الدفاع والاجتماع بكبار الضباط، وكانت تلك الزيارة هي أول خروج لهادي من قصر الرئاسة منذ سقوط صنعاء بيد الحوثيين في 21 سبتمبر الماضي.. ليكون هو الإرهابي التالي في نظر زعيم الجماعة الحوثية، فقد قال عبدالملك الحوثي بعد ساعات من زيارة هادي لمجمع الدفاع إن لديه وثائق تثبت أن رئيس الجمهورية مول معسكرات تنظيم القاعدة من الخزينة العامة "وصبرنا عليه لن يطول".. وتلك تهمة تلقتها مؤسسة الرئاسة بنفس الترحيب الذي تلقت به شتائم الحوثي لشخصية الرئيس دون رد، أو استهجان لتلك اللغة. الحوثي يتهم هادي بدعم معسكرات تنظيم القاعدة وسفراء الدول العشر يدعون إلى دعم شرعية هادي.. وعلى السفراء أن يحددوا موقفهم من الطرفين، إما أن يدينوا خطاب الحوثي ويقفوا مع هادي.. أو يصمتوا وبذلك يعترفون ضمنياً أن هادي ضالع بتمويل الإرهاب، فالمزاوجة بين منصب الرئاسة وتمويل الإرهاب أمر غير معقول أو مقبول! يتلاشى فارق القيمة الوظيفية بين منصب رئيس الجمهورية ومدير مصلحة الأحوال المدنية الذي ضربه الحوثيون في مكتبه بصنعاء ثم طردوه.. وجامعة صنعاء هي مثل مسجد الثلايا بعمران يجب أن تكون ثكنة عسكرية، ولا صوت يعلو فوق صوت اللجان الشعبية والثورية، فهي ظل الله وإرادة الشعب كما يقول الحوثيون، وعلى الجميع أن يحددوا علاقتهم بها وفق منطق اللغة الحدية؛ إما معها أو ضدها، ولا منزلة بين المنزلتين. أما اللجان الحوثية فقد حددت مسبقاً موقفها من الجميع، فهم بين مؤيد أو مداهن لها أو عدو داعشي تكفيري إرهابي وجب قتاله. [email protected]