في خطوةٍ تخلط الأوراق في الملف اليمني، استقال الرئيس عبد ربه منصور هادي بعد استقالة حكومة خالد بحاح مساء أمس، ما ينذر بمرحلة مفتوحة على احتمالات الفوضى، تكون الرياض أول المستفيدين منها بعد أربعة أيام على اندلاع المواجهات بين جماعة «أنصار الله» وقوات «الحماية الرئيسية»، وغداة اتفاق مع الحوثيين وقّعه الرئيس عبد ربه منصور هادي، اختار هذا الأخير ومعه حكومة خالد بحاح، الاستقالة مساء أمس في خطوة ملتبسة تطرح العديد من التساؤلات التي تصب في مجملها باتجاه ضغوط خارجية، يبدو واضحاً أن السعودية تتصدرها، تستهدف إيجاد فراغ في أعلى هرم السلطة في اليمن، على أمل إدخال هذه الدولة المضطربة في المجهول. ولعل الدافع خلف إلقاء تبعية استقالة هادي على الجهات الخارجية، هو في أنها لو كانت ذاتية لكان قدمها يوم حوصر دار الرئاسة وسقط آخر معاقل حكمه في أيدي الحوثيين في ما وصفته الدول الخليجية ب«انقلاب» أراد من خلاله الحوثيون إطاحة الرئيس. ولكان فعلها قبل أن يتوصل إلى اتفاق مفصل مع الحوثيين استجاب من خلاله لجميع مطالب زعيمهم عبد الملك الحوثي، والتي تمحورت حول تعديل مسودة الدستور الجديد، وتطبيق اتفاق «الشراكة» في مؤسسات الدولة وإنصاف «المكونات المحرومة». وكانت المواجهات المسلحة قد انتهت يوم الثلاثاء، تاركةً للحلّ السياسي أن يأخذ مجراه، وهو ما حصل عملياً قبل يومين. غير أن الاستقالة، التي رفض البرلمان قبولها، جاءت لتمثل مفاجأة، تفسّرها مصادر مقربة من «أنصار الله»، في حديثٍ إلى «الأخبار»، بأنها «ناتجة من ضغط مارسته دول الخليج وعلى رأسها السعودية على الرئيس هادي، مهددةً إياه بقطع العلاقات مع اليمن إذا قبل بتنفيذ اتفاق «السلم والشراكة»، ولكونه عاجزاً عن رفض التنفيذ وجد أن الحلّ الأمثل هو تقديم استقالته». ويرى محللون أن استقالة هادي والحكومة، تضع الحوثيين في موقع مسؤولية أمام الرأي العام، وخصوصاً أن قوى إقليمية لن ترضى بالمعادلة التي يمضي الحوثيون في فرضها في الداخل اليمني، ما دفع بها إلى الضغط باتجاة إيقاع البلد في فخ الفراغ. وقدم هادي استقالته، مساء أمس، إلى رئيس مجلس النواب، يحيى علي الراعي، وذلك وفقاً للآليات الدستورية. وفي وقت لاحق، أذاعت وسائل إعلام يمنية نص الاستقالة التي قال فيها هادي، موجهاً حديثه إلى رئيس مجلس النواب: «لقد تحملنا مسؤولية الرئاسة، وأنتم لستم بحاجة إلى شرح الظروف الأمنية والسياسية والاقتصادية حتى يومنا هذا». وأضاف: «نظراً للمستجدات التي ظهرت على سير العملية الانتقالية للسلطة سليماً، وجدنا أننا غير قادرين على تحقيق الهدف الذي تحملنا في سبيل الوصول إليه الكثير. ولهذا نعتذر لكم شخصياً ولمجلسكم الموقر وأتقدم إليكم باستقالتي من رئاسة الجمهورية اليمنية». وقبل ذلك بدقائق، قدمت الحكومة اليمنية التي تمّ تشكيلها قبل أقل من ثلاثة أشهر، استقالتها لهادي. وأعلن المتحدث باسم الحكومة أنها «استقالة لا بد منها». وفي رسالة الاستقالة، برّر رئيس الوزراء، خالد بحاح، قراره بالقول «حتى لا نكون طرفاً في ما يحدث وفي ما سيحدث ولا نتحمل مسؤولية ما يقوم به غيرنا أمام الله وأمام الشعب». وأضافت الرسالة «إننا كحكومة كفاءات حاولنا ما أمكن أن نخدم هذا الشعب وهذا الوطن بكل ما استطعنا من قوة وعلم وكفاءة ومسؤولية وضمير»، متابعةً: «وعندما أدركنا أن هذا لا يمكن، قررنا اليوم أن نقدم استقالتنا لفخامة رئيس الجمهورية وإلى الشعب اليمني». وكان بحاح قد غادر، أول من أمس، مكان إقامته في دار الرئاسة، بعد الاشتباكات بين «اللجان الشعبية» وقوات «حماية الرئاسة» التي طوقت المقرّ. ورفض البرلمان استقالة هادي، ودعا إلى جلسة طارئة، صباح اليوم، لبحث الأزمة السياسية، وفق ما نقلت وكالة «فرانس برس» عن مسؤول يمني. رفضُ البرلمان يطرح تساؤلات عدة حول مستقبل الحكم في اليمن. دستورياً، في حال رفض البرلمان استقالة رئيس الجمهورية، من حق الأخير أن يقدم استقالة أخرى، خلال ثلاثة أشهر، وعلى مجلس النواب أن يقبلها، وذلك وفق المادة 115 من الدستور اليمني. أما في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية، فينصّ الدستور على أن يتولى مهمات الرئاسة مؤقتاً نائب الرئيس لمدة لا تزيد على ستين يوماً من تاريخ خلو المنصب، على أن يتم خلال هذه الفترة إجراء انتخابات جديدة للرئيس. وفي حالة خلو منصب رئيس الجمهورية ونائب الرئيس معاً، يتولى مهمات الرئاسة مؤقتاً رئيس مجلس النواب. لكن وزيرة الإعلام في الحكومة المستقيلة، نادية السقاف، رأت أن «شرعية البرلمان الحالي من شرعية المبادرة الخليجية التي مددت له، وباستقالة الرئيس لم تعد فاعلة المبادرة، وبالتالي البرلمان ينحلّ». وضع لو صح يكون اليمن قد دخل في المجهول، في ظل جبهات مفتوحة في أكثر من منطقة يخوضها ثوار «أنصار الله» في مقابل التكفيريين وفلول علي محسن الأحمر، وغيرهم ممن وصفهم الحوثي ذات مرة بأنهم «الأدوات الداخلية لتمرير المؤامرة على اليمن». وفي السياق نشر موقع «بيزنس إنسايدر» مقالًا تحليليًا ل «سيمون هندرسون» من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أشار فيه إلى أن المملكة تسعى منذ تأسيسها على يد الملك الراحل عبد العزيز، إلى الحيلولة دون وحدة اليمن. وأشار الكاتب إلى أن الملك الراحل حذر على فراش موته من وحدة اليمن، لذلك عملت المملكة على دعم الحراك الجنوبي هناك، مما تسبب في تدهور العلاقات بين المملكة ونظام حكم علي عبد الله صالح، وذلك قبل الإطاحة به في ثورات الربيع العربي. وذكر أن المملكة تسعى لإظهار أن عدد سكانها أكبر من سكان اليمن، في محاولة للحيلولة دون استعادة اليمن للمناطق محل النزاع التاريخي بينهما، مضيفًا أن التقديرات تشير إلى أن المملكة بها 27.3 مليون نسمة، بما في ذلك بضعة ملايين من الوافدين، في حين يبلغ عدد سكان اليمن 26 مليون نسمة. وتحدث الكاتب عن بطء المملكة في اتخاذ قرار بشأن ما يحدث في اليمن، نظرًا لتدهور صحة الملك عبد الله، وانقسام ملف اليمن بين الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية، وولي العهد الأمير سلمان بن عبد العزيز وزير الدفاع. وأضاف أن الأحداث المضطربة في اليمن، وتنامي قدرات الحوثيين، وضع المملكة بين شقي الرحى، حيث تواجه خطر مسلحي (داعش) السنة في الشمال، ومسلحي الحوثيين الذين تصنفهم المملكة باعتبارهم وكلاء لإيران في الجنوب.