الجنوح إلى العنف واستخدام القوة في مواجهة المتظاهرين السلميين مؤشر بالغ الدلالة على بداية انحسار موجة المدّ الحوثي التي ضربت شواطئ الحياة السياسية والاقتصادية، وأحدثت ارتدادات عنيفة، أطاحت كل مصفوفة العملية السياسية في اليمن، وستظل آثارها المدمرة تعمل زمناً طويلاً، على تعميق التصدعات وتمزيق النسيج الاجتماعي المثخن بالجراح. كان اجتياح العاصمة صنعاء بقوة السلاح يوم 21 سبتمبر/أيلول 2014 بمثابة تأكيد خيار راسخ، طالما احتكم إليه اليمنيون في تسوية خلافاتهم، بعيداً عن أدوات السياسة الأخرى ولغة الحوار. غاب ذلك عن رعاة المبادرة الخليجية، كما يغيب عن مراقبين كثيرين أن أي تسوية سياسية لن يكتب لها النجاح، ما لم تعمل باشتراطات وسياقات الحالة اليمنية التي تستدعي وجود قوة مؤثرة وفاعلة، بشكل حقيقي، بين أطراف الصراع، ولديها القدرة والمشروعية على التدخل، وفرض التسوية بأي شكل. بقراءة سريعة لمجرى الصراعات السياسية في اليمن، يمكننا أن نؤكد أن منطق القوة كان السائد دائماً، والأكثر حضوراً في تسوية الخلافات، ولم يكن الحوار سوى مناورة لا يعول عليها الطرف الأقوى، لكنه يستخدمها ورقة أخلاقية، يتستر بها ويستمد منها مشروعية العنف، ويقدمها لمناصريه وللخارج، دليلاً على غياب جميع أبواب الحل السلمي، وبالتالي، مشروعية ذهابه إلى خيارات القوة. وفي هذا البلد، لا تخضع الأحداث والتطورات السياسية، في تفجرها وجريانها، للمعايير والمقاييس المتعارف عليها في العمل السياسي، ولا حتى لمنطق العقل والتاريخ. لذلك، يستعصي المشهد اليمني على الفهم والقراءة. انطلق الحوثيون من مرجعية ثقافية تاريخية، تمجد الثأر والقوة، وترى في من يختلف معها، ولا يسلم لها، عدواً وعميلاً للخارج. عجز الرئيس عبد ربه منصور هادي وغياب أطراف العملية السياسية وتشتتهم، وعدم قدرتهم على تقديم مشروع وطني، وفّرَ لجماعة الحوثي كل الحجج والأسباب، لينطلقوا نحو الفصل الأخير من فصول جنون القوة، وخطفوا مدير مكتب الرئيس، ووضعوا الحكومة تحت الإقامة الجبرية، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ اليمن. رمى هادي آخر أوراقه، وقدم استقالته واستقالة الحكومة، ووجد الحوثيون أنفسهم في العراء، من دون أي مشروع، أو شرعية، ومن دون رؤية لبناء الدولة، يمكن أن يقبل بها الناس، ويعترف بها العالم. كانت المشاهد الأخيرة من حكايات القوة والدم تتوالى وجمهورية صالح الورقية تتداعى، وبدأت الأصوات ترتفع من جديد، والاحتجاجات تتسع، وجماعة الحوثي تبحث عن غطاء شرعي.