تدعو تطورات الأحداث التي شهدها اليمن منذ سبتمبر الماضي إلى الدهشة، لكن سرعان ما تزول هذه الدهشة إذا ما ربطنا تلك الأحداث بمثيلاتها في العراق وسوريا وإلى حد ما في لبنان وأيضًا في ليبيا بما شكل في المحصلة مشهدًا عامًا تسيطر فيه ميليشيات إرهابية تستبدل فيه الأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة والأسلحة البدائية بالمدرعات والمدفعية الثقيلة والأسلحة النوعية، وتقوم باجتياح المدن وفرض سيطرتها على مساحات شاسعة في تلك البلدان. ثم تنجح في اليمن في القيام بانقلاب على السلطة الشرعية، بما يجعلنا نستنتج في نهاية المطاف أن جيوش غالبية هذه الدول لا تدين بالولاء للوطن بقدر ولائها للطائفة أو الحزب الذي تمثله أو الدولة التي تعمل وكيلا لها، والتي تعتبر في كل هذه الحالات إيران التي تخطط وتمول وتدرب تلك المليشيات وتمدها بالسلاح والذخيرة والعتاد، الأمرالذي يشكل في نهاية الأمر ظاهرة خطيرة تقتضي مواجهتها والتصدي لها بحزم قبل أن تستفحل وتتمكن من فرض أمر واقع يصعب التعامل معه مستقبلا. ما أعلنه الحوثيون مؤخرًا عن استعدادهم للعمل مع القوى السياسية الأخرى في البلاد بعد سيطرتهم على السلطة عبر انقلاب خطط له بعناية من قبل طهران ليس إلا حلقة جديدة في سلسلة مراوغاتهم وأساليبهم الملتوية في الخداع والتضليل، حيث لا يخفى على أحد أنهم يحاولون الظهور بمظهر القوى الوطنية الحريصة على تكريس الديمقراطية وعلى خدمة المصلحة الوطنية العليا وهو ما يبتعد كل البعد عن الحقيقة، إذ لا يختلف بقليل أو كثير عن تشكيل الحوثي لجنة عليا لإدارة شؤون البلاد بحجة خدمة مصالح جميع اليمنيين ودول الخليج المجاورة، فيما أن الهدف الحقيقي منها تكريس سيطرته على البلاد. كما أن قوله إنه لو تمكنت "القاعدة" من اليمن لتآمرت على الأشقاء في السعودية والخليج لا يعدو كونه محاولة مكشوفة لاستمالة دول المجلس التي اعتبرت بكل حسم أن ما حدث هو انقلاب على الشرعية، وتصعيد خطير مرفوض ولا يمكن قبوله بأي حال، ويتناقض بشكل صارخ مع نهج التعددية والتعايش الذي عرف به المجتمع اليمني، ويعرض أمن اليمن واستقراره وسيادته ووحدته للخطر. لابد من القول أيضًا إن دعوة الحوثي القوى السياسية الأخرى للمشاركة في الحكم ما هي إلا محاولة مكشوفة لتجنب الظهور بمظهر الدولة الشيعية التي تدين بولائها لإيران من خلال تعددية شكلية لا تعكس نواياهم وأهدافهم الحقيقية. ما أشارت إليه صحيفة "واشنطن بوست" أمس من مواجهة الحوثي لصعوبات حقيقية بعد سيطرته الكاملة على صنعاء ممثلة في مظاهرات الرفض الغفيرة والاحتجاجات الحاشدة وإدانة دول مجلس التعاون الخليجي للانقلاب الذي قام به ضد الشرعية، إلى جانب أن الفوضى وحالة عدم الاستقرار التي يعيشها اليمن في ظل هذه التطورات من شأنها أن تصب في مصلحة تنظيم القاعدة الذي يشكل تحديا آخر لأمن المنطقة وأيضًا للأمن القومي الأمريكي. اليمن بوضعه الراهن يواجه تحديات قد تكون الأصعب في تاريخه المعاصر، لكن التحدي الأكبر الذي يكتسب أولوية الآن، ويقع بالدرجة الأولى على عاتق الشعب اليمني: إفشال المخطط الإيراني الشرير في اليمن.