يمكن القول بان الرئيس اليمنى ،كان قد فقد جانبا كبيرا من تفويضه الانتخابي، حين لم يتمكن من الوقوف بوجه تمدد الحوثيين الذى تحرك متنقلا من محافظة لأخرى، وسط دهشة واستغراب من قبل الكثيرين، اذ كانت المحافظات تسقط والمواقع العسكرية تتهاوى والأسلحة تسلم، دون ان يبدى الرئيس انه رئيس. وحين تطور الامر حد سيطرة الحوثيين على العاصمة وجرى نهب سلاح الجيش تحت اعين الكاميرات وتدمير ونهب المؤسسات المدنية والسيادية، دون ان يسمع للرئيس صوتا ولا موقفا يناسب عظم ما يجرى، مال الكثيرون للقول: الرئيس متواطئ وليس عاجزا فقط. وهكذا بدأت شرعية الرئيس الانتخابية في التآكل عمليا، حين ذهب الشعب والقوى السياسية لاعتماد طرق اخرى خارج اطار الدولة ومؤسساتها، لمواجهة الميلشيات الحوثية المتوحشة الزاحفة بشكل همجي تدميرا وقتلا ونهبا وسلبا، فاندلعت المظاهرات التي نظمها وقادها لفيف من شباب الثورة والاحزاب وتحركت القبائل وبالسلاح في دفاع مناطقي بما تيسر من عوامل القوة. كان المعنى، ان المجتمع لم يعد يرى فائدة من انتظار تحرك السلطة التنفيذية بقيادة الرئيس. ويبدو الحوثيون ادركوا ما الحقوه بسمعة ومكانة ودور الرئيس ،فتقدموا اكثر باتجاه شخص الرئيس نفسه، فأسروه او خطفوه ووضعوه تحت الاقامة الجبرية، وألحقوا به رئيس الوزراء والوزراء تمهيدا للإجهاز النهائي على الدولة والسلطة السياسية.. وهنا تحرك الرئيس واعلن استقالته. كانت خطوة مباغتة من الرئيس ،جعلت الحوثيون يتحركون برعونة وبرد الفعل الانتقامي، فزادت تحركاتهم من تورطهم في مازق المواجهة ،حين ادخلوا قوى مجتمعية جديدة في مواجهتهم، بعضها دخل المواجهة دفاعا عن النفس ،وبعضها دفاعا عن الدولة والحوار الوطني وبعضها انخرط في المواجهة ولاء للرئيس. وهنا افلت الرئيس من بين ايديهم ،ليبدا حكمه من جديد من عدن في اقصى الجنوب ،لكن وفق مشروعية جديدة ،تطلب منه خطة وخط رئاسي جديد تجرى صياغته وفق معادلات شرعيته الجديدة وبناء على الاوضاع، واساسها ما احدثه الحوثيون من تخريب ،ومخاطر محدقة باليمن. كان الحوثيون قد بدأوا هجومهم بالتركيز على استهداف الجيش الوطني اليمنى وفق خطة للسيطرة عليه –عبر التحالف مع صالح-دون الدخول في حرب معه. هم اعتبروا الجيش الوطني عدوا لهم ،باعتبارهم طائفيين لا رؤية وطنية لهم وهم اخذوا الحوار الوطني ستارا لعملية خداعية استهدفت اضعاف ردود الفعل الشعبية والسياسية على عمليتهم الانقلابية. لقد مارسوا التقية مع القوى السياسية الوطنية خلال ثورة الربيع اليمنى ،ومن بعد خلال الحوار الوطني، اذ دخلوا الحوار بهدف تفكيك عوامل الالتقاء بين اطرافه ومنع وقوع اجماع وطني من خلاله. وبعد ان فرقوا الجمع تقدموا عسكريا فيما الكل بين ذهول و ضعف. وقد كان يوم السفور بإعلان وتثبيت انقلابهم الحقيقي، هو يوم اصدار الاعلان الدستوري. قبلها كانوا قد مارسوا كل الاعيب خلط الاوراق ،فقالوا نصارع السلفيين المتطرفين انصار القاعدة ،وتحدثوا عن حرب القاعدة التي تهدد اليمن والعالم العربي والإسلامي والمجتمع الدولى، وروجوا على نطاق واسع بانهم ما تحركوا الا لتحقيق العدل الاجتماعي وكانت نقطة الوثوب هي لعبة رفض الجرعة –او الزيادة التي تقررت على اسعار النفط-لكن الامور تكشفت للجميع حين انقضوا على نتائج الحوار الوطني، فيما الكل ذاهب لإقرار الدستور وانهاء المرحلة الانتقالية ليصبح اليمن مختلفا لا يسمح بجماعات طائفية مسلحه. قاموا بخطف مدير مكتب الرئيس لحظة نقله مسودة الدستور، وبدوا الحركة المكشوفة ضد الرئيس واصدروا الاعلان الدستوري الذى كشف خطتهم للسيطرة على الحكم والوطن لا السلطة السياسية واجهزة الدولة فقط . والخلاصة، ان الحوثيين تحركوا في ثلاثة اتجاهات استراتيجية، اولها استهدف السيطرة على الجيش –ومؤسسات الدولة-دون خوض حرب . وثانيها، تعطيل واجهاض الحوار الوطني ومنع انفاذ قراراته بالقوة المسلحة. وثالثها الانقضاض على النظام السياسي (الرئيس والحكومة والبرلمان ) واعادة تأسيسه ليصبح تحت السيطرة الكاملة لهم. ولذا ابتدعوا قصة اللجان الثورية منذ البداية لتكون ذراع الحركة العسكرية وغطاء لتحركاتهم العدائية ضد الجميع. وفي كل ذلك ،كان العمود الفقري لخطتهم هو التحرك التدرجي، وتحقيق المكاسب على الارض عسكريا وشرعنتها عبر تراجعات الرئيس امامهم ،وتوقيع المندوب السامي الأمريكي جمال بن عمر، الذى حضر لليمن حاملا ختم الشرعية من مجلس الامن الدولي. ولذا واجهوا استقالة الرئيس بكل تلك الرعونة التي تابعها الجميع ،اذ وصلوا حد ايذاء الرجل بدنيا. لقد تنامت التحركات المضادة لهم شعبيا وقبليا وسياسيا، وجاءت استقالة الرئيس لتفتح مساحة المعركة في طول البلاد وعرضها . وقع الحوثيون في فخ تولى الحكم مبكرا بما اظهر نواياهم واثبت عجزهم عن قيادة البلاد، وباتوا في وضعية صراع مع الاقاليم والجمهور العام على مساحة اليمن كله، وهنا جاء افلات الرئيس من الاسر، ليدفع الصراع نحو منحنى اشد صعوبة على الحوثيين على صعيد توازنات القوى. وهو ما مكن الرئيس من الاعلان عن عدم اعترافه بكل ما جرى منذ دخول الحوثيين صنعاء وان يشير الى ان ما اقدموا عليه ليس الا انقلاب . غير ان مشروعية الرئيس المستجدة ليست كشرعيته السابقة. فاذا كانت شرعيته السابقة قد استمدت من اشرافه على اتمام استحقاقات المرحلة الانتقالية فشرعيته الان هي شرعيه مراقبة من كل من رفض وقوم الانقلاب ،وهي لن تتعمق الا بقدر التزامه انهاء الانقلاب الهمجي للحوتيين، وهو في ذلك يبدو مدعوما بمواقف قوى الثورة والقبائل والتيارات التي وقفت ضد الانقلاب الحوثي، ومقيد بها في نفس الوقت. شرط نجاح الرئيس، هو في التقيد بنمط المشروعية الجديدة التي تحققت له، واصلها الان هو انهاء انقلاب الحوثيين، كمقدمة لإنفاذ نتائج الحوار الوطني، وليس العكس.