متى يخرج اليمن من عنق الزجاجة؟ فالحقيقة التي لا نستطيع أن نخفيها أن لكل اللاعبين الرئيسين في الصراع مصلحة، والمنطقة العربية مستباحة حيث تقاطعت المصالح بين الدول والكل يعمل على تطويق ومحاصرة الآخر وجعل نفوذه الأكبر أو كسر العزلة السياسية المفروضة عليه. ففي اليمن صراع في غاية التعقيد يجبر الدول العربية على إعادة علاقتها مع بعضها البعض ومع تركيا والتقارب مع الجميع والتفاوض مع إيران كنتيجة طبيعية لوقف التوسع الإيراني، وفي المقابل تركيا لديها حلم مذهبي تنظيمي لا يقل خطورة وطموحاً عن الطموح الإيراني. وفي الحالة اليمنية الراهنة يحتاج الوضع لموقف أكثر من القمم العاجلة والمؤتمرات بينما يلازم سوء التقدير الجميع في الوقوف مع الجانب الخطأ في الغالب مما نتج عنه خلو الساحة ل«الحوثيين» منذ مطلع عام 2014، وبالتحديد عندما بدأت تنازلات الدولة من أجل إضعاف حزب الإصلاح (الإخوان)، والذي كان المسيطرالأكبر على المشهد اليمني منذ توقيع المبادرة الخليجية التي سلَّم بموجبها الرئيس صالح السلطة، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل سلمها فعلياً؟ ومن جانب آخر، عاد الرئيس هادي، وعاد الجدل حول الشرعية مجدداً والانقسام بين مؤيد ومعارض بين من يرى فيه رئيساً منتخباً شرعياً، ومن يرى بأنه لا يجوز له ممارسة الحكم بعد انتهاء ولايته، ومن يرى أنها فرصة لا تعوض للضغط على «الحوثيين» ليقدموا تنازلات ستدعم تنفيذ مخرجات الحوار الوطني استناداً على المبادرة الخليجية وقرارات مجلس الأمن. فهل سيُغير هذا السيناريو المحتمل الموازين بسقوط القرارات التي صدرت بعد 21 سبتمبر. ويبقى الخوف كل الخوف من تعنت «الحوثيين»، وإندلاع حرب في المحافظات الشمالية وإضطرابات ثورية شبابية في المحافظات الجنوبية، وحينها سيكون الكل خاسراً في مشهد سيجبر مجلس الأمن على التدخل بضغط من القوى الكبرى لشرعنة صفقات التدخل المشبوهة وحماية الشرعية غير الشرعية والانتقال السياسي المشروط بضمانات يستفيد منها الخارج قبل الداخل، وسيعيد ذلك الوضع أهمية الدور الذي تلعبه دول الإقليم في مساندة هادي ودحر «الحوثيين» وتقليص نفوذهم. ولكن كيف سيتعامل هادي والجيش مع إجراءات التنفيذ للإعلان الدستوري من قبل اللجان الثورية؟ وهل سيستغل الرئيس المعطيات الجديدة، ويستغل مخرجات مؤتمر المانحين من تعهدات والتزامات ستعزز مجدداً في مؤتمر أصدقاء اليمن المزمع عقده في نيويورك بتاريخ 22 سبتمبر القادم للخروج من دوامة اقتصاد المساعدات، وتحويل مسار الأموال التي تغدق على رؤساء القبائل والمناطق والقيادات والمؤسسات المؤثرة والتسليح الوهمي، لتصب في استثمارات مباشرة تعود بالنفع على البلد ككل. وبين الثورة ورفض الانقلاب، والتخوف من عودة ممارسات النظام القديم بوجه جديد، يعيش اليمن حالة تآكل داخلي على بركان ساخن تحت السطح قابل للانفجار في أي لحظة وعلى نطاق واسع. فأبناء اليمن وحدهم من يملكون الحلول من خلال زيادة فرص اليمن في صناعة الحل المحلي والحد من اعتماد اليمن على المجتمع الدولي والدول المانحة؟ ولكي ينجح أي رئيس يمني، لابد من إشراك جميع القوى السياسية في صنع القرار وخاصة الداهية على عبدالله صالح، الذي لا يزال له حضور مؤثر في مراكز القوى العسكرية، وحزبه «المؤتمر الوطني» و«أنصار الله» سيرفضون المشاركة في حوار الرياض كورقة ضغط للحصول على بعض التنازلات. وهناك العديد من المناورات الدبلوماسية والعسكرية في ظل اختلاف كلي في الاهداف الجوهرية بين الغرب والعرب، فطرف يريد تأمين ممرات الطاقة والحضور الجيوسياسي واحتواء الإرهاب، والطرف الآخر أمنه الوطني ككل على المحك، ولا أتوقع أن يحدث تغيير يذكر قبل أن تتوقف استراتيجية الحرب بالوكالة والتركيز على دعم جهود بناء الدولة في اليمن وتعزيز إجراءات انهيار الدولة بعيداً عن الصراع المسلح الذي حوّل مطار صنعاء إلى قاعدة عسكرية إيرانية؟ والتحدي الأكبر أن الفصائل اليمنية المتناحرة تريد حلاً مناسباً لكل منها على حدة، وليس حلاً مشتركاً للجميع لتباعد الأهداف والأجندات. كما أن «الحوثيين» ليسوا هدفاً عسكرياً للغرب، بل «القاعدة في جزيرة العرب»، وسوف يستمرون في التركيز على ذلك، حيث إن اليمن يعتبر قطعة شطرنج واحدة على رقعة اللعبة السياسة الكبرى، وليس لإيران قواسم مشتركة مع العرب في مواجهة المخططات الأميركية في المنطقة، فهم موعودون بالظفر برقعة الشطرنج السياسي كاملة في ظل التقارب الإيراني الأميركي في المفاوضات النووية، إذاً، إنها المصالح السياسية المشتركة التي ستجمع اليوم خصوم الأمس وقد تضع اليمن في الطريق السليم لتحريرها من بعض أبنائها قبل الغرباء والابتعاد عن حلول طابعها مذهبي طائفي مناطقي جهوي ليمن جديد لا يُفتت فيه المفتت.