ماذا عدا مما بدا ليقفز رجب طيب أردوغان الى طهران التي كان قد ألغى زيارة مقررة لها، بعدما حمل على سياستها في المنطقة، مباشرة بعد بدء "عاصفة الحزم"، عندما قال "تبذل ايران جهوداً للهيمنة على المنطقة ولا يمكننا السماح بذلك، لقد تجاوزت ممارساتها حدود الصبر وعليها سحب قواتها من اليمن وسوريا والعراق". كلام اردوغان اعتبرته طهران "إهانات"، وكان من الطبيعي إلغاء زيارته، ولهذا فإن وصوله المفاجئ أثار الدهشة، ولكن من الواضح تماماً انه لحس اتّهاماته وابتلعت طهران إهاناته، ربما في إطار رهان مشترك على ان يقوم بما امتنعت عُمان عن القيام به حتى الآن. بعد ثلاثة أيام من بدء "عاصفة الحزم" التي فاجأت الإيرانيين، طلبت طهران من عُمان التوسط مع السعودية لوقف العملية والعودة الى المفاوضات بين اليمنيين، عُمان رفضت التحرك لأن الطلب لم يأت من الرياض بل من طهران، ولهذا هبط محمد جواد ظريف في مسقط أمس مكرراً دعوة عُمان الى وساطة مشتركة مع تركيا لوقف "عاصفة الحزم" التي تضرب الحوثيين وعلي عبدالله صالح. وكان اردوغان أحسّ أيضاً بعد الأعلان عن الاتفاق النووي ان مصالحه الاقتصادية مع إيران باتت مهددة، فالاقتصاد التركي ازدهر من خلال الالتفاف على العقوبات عبر مقايضة الغاز والنفط الايرانيين بالذهب التركي، من خلال "بنك خلق" الذي تملكه الدولة والذي كان يشتري من ايران مقابل سبائك ذهبية تسوّقها طهران في دبي، محققاً ارباحاً كبيرة رغم العقوبات على المقايضة بالذهب قبل عام. ومع زيارة ولي ولي العهد السعودي الامير محمد بن نايف لأنقرة واجتماعه مع اردوغان قبل يومين، يبدو ان الأخير استمزجه في قيام تركيا بوساطة لمعالجة الوضع في اليمن، على قاعدة تتناسب مع حرص السعودية على عودة الشرعية الى صنعاء، وإحياء مفاعيل الحل اليمني الذي ترعاه الأممالمتحدة والذي انقلب الحوثيون عليه بدعم من ايران. طبعاً ليست هناك معلومات واضحة عن الأمر، لكن ما يرجّح هذا الاحتمال التصريحات التي صدرت في انقرة عشية الزيارة، فقد قالت تركيا إنها عازمة على القيام بوساطة في الأزمة اليمنية رغم تأييدها المعلن ل"عاصفة الحزم"، ثم ان حسن روحاني أعلن بعد محادثاته مع أردوغان "ان البلدين سيقومان بمساعدة دول أخرى [المقصود عُمان] بالعمل لإقرار السلام والاستقرار وإقامة حكومة موسّعة في اليمن" بما يؤكّد أرتفاع منسوب الحمّى الإيرانية لوقف عملية "عاصفة الحزم". هل تنضم تركيا الى عُمان في وساطة لحل الأزمة اليمنية، ثم الى متى يمكن العرب الاستماع مثلاً الى روحاني يقول بعد لقاء أردوغان: "تطرقنا الى الأوضاع في العراق وسوريا وفلسطين واليمن"، لكأن قضايا العرب شأن إقليمي تقوم عليه تركيا وايران؟