أفهم أن يكون إعلام اللصوص الكبار والطائفيين والمرتزقة والمعارضين سواء كان مرئيا أو مسموعا أو مقروءا ضد الرئيس والإسلام والوطن, فهذه مسألة طبيعية جدا. لأن هذا الإعلام يدرك جيدا أن النظام الديمقراطي سيقوم بدوره عاجلا أو آجلا في مقاومة الفساد, ومحاسبة الفاسدين الذين تربوا وتغذوا وسمنوا حتى بشموا في عهد الحكم العسكري البوليسي الفاشي طوال ستين عاما, ولم يحاسبهم أحد أو يعرقلهم أحد عن السلب والنهب باسم القانون الذي كانوا يصنعونه علي أيديهم وبأيدي ترزية متخصصين في تفصيل القوانين التي تتيح لهم المزيد من الكسب الحرام دون أن يقعوا تحت طائلة الحساب! فالمال الحرام مكن أصحاب هذا الإعلام من اختيار الكوادر الماهرة في التدليس والتضليل والكذب وإلباس الحق بالباطل, والعكس, وتحريف الكلم عن مواضعه, وإقناع المتلقي بصدق ما يقولون, وهم يعلمون أنهم منافقون ولا يقولون الحق من قريب أو بعيد. وقد رأينا في الشهور الماضية, ومنذ الاستفتاء علي الإعلان الدستوري في مارس 2011, سيلا من الأكاذيب وقلب الحقائق والتشهير, ما لم نره من قبل حيث كانت الأمور إلي حد ما بعيدة عن هذا السعار المجنون الذي أشعلته نتيجة الاستفتاء المذكور, وألهبته نتائج الانتخابات التشريعية والرئاسية, بصعود التيار الإسلامي إلي موقع المسئولية, وكأن كل من يقول لا إله إلا الله يجب عليه أن يبتعد عن موقع المسئولية ولا يقترب منها لأنها لا تليق به, ولا يجوز له أن يشارك في العمل العام, فهو لا يصلح, وينبغي له ألا يتطلع إلي ذلك. لقد استنفد إعلام غسيل الأموال كل ما في القاموس البذيء من مصطلحات وصف بها الرئيس والإخوان والسلفيين وبقية التيار الإسلامي, وللأسف فإن هذا القاموس انتقل إلي الإعلام الرسمي الذي تملكه الدولة ويقوده وزير إسلامي ويفترض أن يكون محايدا أو علي الأقل يملك لغة مهذبة تليق بالإعلام الذي يخاطب العقل والمجتمع, ويحاول أن يصل إلي الحقيقة من خلال عرض الأفكار المتنوعة ومناقشتها بشكل متكافئ يساعد المتلقي علي الفهم والتمييز والاختيار. ولم أفهم مثلا أن تعرض قناة النيل الإخبارية مؤتمر نادي القضاة لمدة أربع ساعات تقريبا, وكانت توجه فيه إلي الرئيس والإخوان وغيرهم; القذائف الملتهبة والهتافات المعادية التي لا تليق بالنخبة القضائية والقانونية, وفي الوقت نفسه فإن القناة الرسمية المذكورة تخصص أقل من أربع دقائق لمؤتمر قضاة من أجل مصر الذي أيد الرئيس والنظام الثوري وكشف تناقضات المؤتمر الأول, وعرض وجهة نظر مغايرة. لم أفهم أن تستضيف هذه القناة وغيرها من القنوات الرسمية ضيوفا مزمنين من عهد المخلوع الفاسد معظمهم من الشيوعيين والناصريين والليبراليين ليلعنوا النظام وينتقدوا الرئيس, ويشوهوا بالباطل كل ما يتخذه من خطوات, ودون أن يكون في مواجهتهم من يدحضون افتراءاتهم وأكاذيبهم وترهاتهم وتدليسهم وتضليلهم.. بل إن مذيعي القنوات والإذاعات الرسمية لا يحترمون لغة الحياد والالتزام المهني, وكثير منهم يسفر عن عداء رخيص غير مسوغ للرئيس والإسلام, وأبسط ما يفعله بعضهم أن يترك خصم الرئيس يتكلم طويلا دون مقاطعة, أما المؤيد أو من يتحدث بموضوعية, فإنه يقاطعه مرات عديدة ويشتت أفكاره أو يخرج إلي فاصل, أو يذيع نبأ عاجلا, وهو الشيء نفسه الذي يفعله مذيعو ومذيعات القنوات الطائفية وغسيل الأموال, مع الضيوف أنفسهم.. عند كتابة هذه السطور كانت قناة النيل الثقافية, وهي قناة متخصصة محدودة المشاهدة, تقدم برنامجا بعنوان( الشعب يريد) وكان المذيع الشاب الذي لا أعرف اسمه يدخل في وصلة هجاء رخيص للإعلان الدستوري وللإخوان والرئيس, ويتحدث عن الرئيس الإله والإخوان أصحاب الدم الأزرق الذي يختلف عن دماء بقية المواطنين, وعن العناد الذي يمثله النظام وعن إرادة الشعب الذي أسقط حسني مبارك في ثورة يناير, وعن الجماهير التي تجمعت بالملايين في ميدان التحرير وتنادي بإسقاط النظام الحالي, وعن.. وعن.. ولم يكتف المذيع الشاب المتحمس ضد الرئيس والنظام والإعلان الدستوري بالهجاء, بل استدعي الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر بوصفه الرئيس الملهم الذي اهتم بالفلاحين والفقراء وخصص لهم الأراضي, ومنحهم الكرامة والحرية و… وبالطبع لم يقل الفتي المتحمس في التليفزيون الرسمي لجمهورية مصر العربية إن جمال عبد الناصر اهتم بالمعارضين فألقي بهم وراء الشمس, وعذبهم عذابا وحشيا غير مسبوق كانت الكلاب البوليسية المدربة إحدي أدواته, وكان النفخ والصعق بالكهرباء وتسمية الرجال بأسماء النساء بعض صوره.. ثم أتي بأغان وتسجيلات تشير إلي أن الفتي يفعل ما يشاء دون أن يدرك أن مهنته إعلامي يقدم الوقائع دون أن ينحاز إلي هذا التيار أو ذاك, ولكنه أخبرنا بعد قليل أنه يوجه الشكر إلي رئيس القناة التي يبث من خلالها, ورئيس قطاع القنوات المتخصصة علي ما يبذلانه من تغيير في الأداء الإعلامي المواكب للأحداث!. لن أتكلم عما يقوله الشيوعيون والناصريون الذين تتم استضافتهم بكثرة في الإذاعة ويقولون كلاما مسموما ومضللا دون أن يجدوا صدا أو ردا من ضيوف مناظرين أو من المذيعين والمذيعات الذين يستضيفونهم! هل هذه حرية إعلامية حقيقية, أم هي معين واحد يتحدث به الإعلام الرسمي الذي يمثل الدولة ويعلم أن أكثر من 70% في المائة من الشعب المصري علي الأقل ترفض حكم الأقليات والفساد وتؤيد خطوات الرئيس ضد مؤامرات هذه الأقليات ومعها الفلول وأتباع النظام الذي سقط رأسه ولم تسقط جذوره؟. أعلم أن وزير الإعلام يملك حياء وخلقا, ولكن هل يمنعه ذلك من إقناع العاملين في دولة ماسبيرو بالقانون أن يكونوا مهنيين قبل أن يكونوا ناصريين أو شيوعيين أو موالين للرائد موافي؟.