بعد أشهر على إعلان التحالف الذي تقوده السعودية عن قرب انتهاء العمليات في اليمن، تجد المملكة نفسها في خضم تصعيد متجدد في الميدان اليمني وعند حدودها، في نزاع يرى محللون أن نهايته لا تلوح في الأفق. فمنذ نهاية تموز/يوليو، استعاد النزاع، المستمر منذ قرابة 17 شهراً بين قوات الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي المدعوم من التحالف، والمتمردين الحوثيين وحلفائهم من الموالين للرئيس السابق علي عبدالله صالح، حماوته الميدانية المعهودة، بعد أشهر من الهدوء النسبي الذي ترافق مع مشاورات سلام في الكويت رعتها الأممالمتحدة. ومع التصعيد على الجبهات بين الحكومة والمتمردين، استأنف التحالف للمرة الأولى منذ ثلاثة أشهر، غاراته على منطقة صنعاء التي يسيطر عليها المتمردون منذ أيلول/سبتمبر 2014. في المقابل، كثّف هؤلاء عملياتهم الحدودية مع السعودية من خلال محاولات التسلل والقصف. ويرى محللون أن التصعيد محاولة من الطرفين لإثبات أنهما في موقع أفضل في القتال بعد مشاورات السلام التي لم تحقق نتيجة ملموسة منذ بدئها أواخر نيسان/ابريل لحين تعليقها في السادس من آب/أغسطس. ويقول الباحث في مركز كارنيغي الشرق الأوسط فارع المسلمي "الطرفان يحاولان إثبات أن وضعهما في الحرب أفضل من السلام". ويرى انطوني كوردسمن، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، أن النزاع "يبدو حرباً طويلة ومتواصلة" بلا مستقبل واضح، خصوصاً بسبب وجود "العديد من الفصائل والعناصر المنخرطة" فيه. بدأ التحالف عملياته في اليمن نهاية آذار/مارس 2015، دعماً لحكومة هادي ضد المتمردين، الذين تتهمهم السعودية بتلقي الدعم من خصمها الإقليمي اللدود إيران. واقتصرت عمليات التحالف بداية على الغارات، إلا أنه وسّع مهامه في صيف 2015 موفراً دعماً بالجنود والعتاد لقوات هادي، ما مكّنها من استعادة خمس محافظاتجنوبية أبرزها عدن. وفي الأشهر الماضية، بدأ التحالف أيضاً باستهداف التنظيمات الجهادية التي أفادت من النزاع لتعزيز نفوذها في جنوب البلاد. وكان بعض المحللين اعتبروا في الأشهر الماضية أن السعودية تبحث عن مخرج من النزاع، لاسيما في ظل الانتقادات الدولية المتزايدة لارتفاع عدد الضحايا المدنيين جراء غاراته الجوية. وخلال أقل من أسبوع، واجه التحالف موجتي انتقادات، بعد مقتل 19 شخصاً في قصف مستشفى تدعمه "أطباء بلا حدود" في محافظة حجة الاثنين، بحسب آخر حصيلة للمنظمة، ومقتل عشرة أطفال السبت في قصف مدرسة بمحافظة صعدة. وفي حين أعلن "فريق تقييم الحوادث المشتركة"، الذي شكّله التحالف قبل أشهر، فتح تحقيق في الحادثين، أكد المتحدث باسم التحالف اللواء الركن احمد عسيري أن ما تم قصفه السبت كان مركز تدريب للمتمردين وليس مدرسة، متهما المتمردين بتجنيد الاطفال للقتال. وكان عسيري قال ل "وكالة فرانس برس′′ في آذار/مارس 2016 إن التحالف بات "في نهاية مرحلة العمليات الكبيرة"، متحدثاً بشكل أساسي عن الهدوء الذي كان بدأ يسود الحدود بين السعودية واليمن، بموجب تهدئة توصلت إليها الرياض والمتمردون بوساطة قبلية في الشهر نفسه. ومنذ بدء عمليات التحالف، قتل أكثر من مئة شخص معظمهم عسكريون، في جنوب السعودية جراء اشتباكات وقصف عبر الحدود. ويبدو أن التهدئة التي امتدت أشهراً، نسفت في الأسابيع الماضية، مع معاودة المتمردين محاولات التسلل وإطلاق الصواريخ والقذائف. وقتل 12 من الجنود وحرس الحدود السعوديين في معارك مع المتمردين في الأسبوع الأخير من تموز/يوليو. وفي مدينة نجرانبجنوب المملكة، قتل الثلاثاء سبعة مدنيين في سقوط "مقذوف عسكري" من اليمن، في أعلى حصيلة لقتلى مدنيين منذ بدء عمليات التحالف. "حرب استنزاف" ويرى المسلمي أن من أسباب تصعيد التحالف غاراته، تشكيل جماعة "انصار الله" (الحوثيون) وحزب المؤتمر الشعبي العام بزعامة صالح، مجلساً سياسياً أعلى لإدارة شؤون البلاد، قبيل تعليق مشاورات السلام. ويقول "كانت الخطوة غير متوقعة، خصوصاً بالنسبة إلى السعوديين"، مضيفاً أنه لا يمكنهم تقبل أي تهديد يطال "شرعية" رئاسة هادي. وكانت هذه المسألة إحدى أبرز نقاط الخلاف في المشاورات. ففي حين كان الوفد الحكومي يركز على أولوية انسحاب المتمردين من المدن وتسليم السلاح الثقيل قبل أي خطوات سياسية، طالب المتمردون بالاتفاق على "مؤسسة الرئاسة" وتشكيل حكومة وحدة تشرف على الانسحابات. وكبّد النزاع اليمنيين فاتورة اقتصادية وإنسانية باهظة. وبحسب أرقام الأممالمتحدة، قتل أكثر من 6500 شخص، وأصيب زهاء 33 ألفاً منذ آذار/مارس 2015، في حين نزح ما يناهز 2,8 مليوني شخص. ويقول الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية آدم بارون "حتى في المناطق البعيدة عن المعارك، يشعر المدنيون اليمنيون بالعبء الاقتصادي والانساني للنزاع′′. ويرى المحللون أن كل الأكلاف والتعقيدات لن تسرّع في إنهاء النزاع. ويعتبر المسلمي أنه حتى في ظل القناعة بعدم وجود حل عسكري للأزمة اليمنية، إلا أن السعودية لن توقف عمليات التحالف في غياب ضغط بهذا الاتجاه من قبل حلفائها الغربيين، وخصوصاً الولاياتالمتحدة وبريطانيا اللتين تعدّان من أبرز موردي الأسلحة للمملكة. ومنذ تعليق المشاورات، تركز القوات الحكومية على محاولة الاقتراب من صنعاء من جهة منطقة نهم (شمال شرق العاصمة)، وفك الحصار الذي يفرضه المتمردون منذ أشهر على مدينة تعز (جنوب غرب). لكن هذه العمليات العسكرية لا تبدو سهلة بمواجهة الحوثيين الذين خاضوا ستة حروب ضد الحكومة اليمنية بين العامين 2004 و2010. ويقول كوردسمن "حالياً، يبدو (النزاع) وكأنه حرب استنزاف".