سقطت بعد أكثر من ثلاثة أسابيع على حصارها، وسقط معها قائد القوة المحاصرة، إنها مدرسة المشاة وواحدة من أواخر جزر النظام التي أخذ يخسرها في ريف حلب واحدة تلو الأخرى، وبفقدها فقدت القوات الحكومية قدرتها على قصف الريف الشمالي والغربي بالمدفعية، وبات يفصل الثوار عن تحرير كامل الريف المذكور مطار منغ والسجن المركزي. وكانت جدران المدرسة المثقبة والدبابات المحترقة والآليات المتناثرة هنا وهناك شاهدة على معركة ضارية استبسل فيها المدافعون وانتصر فيها المهاجمون. بدأت معركة تحرير المدرسة فعليا منذ أيام قليلة بعد حصار استمر أكثر من ثلاثة أسابيع، وشاركت فيه معظم الكتائب المنضوية تحت لواء التوحيد ولواء أبو العلمين القادم من منطقة حلفايا في حماة والكتائب الإسلامية. تقوم مدرسة المشاة على امتداد واسع من الأرض بطول 2.5 كلم وعرض 1.5 كلم وتنقسم إلى عدة منشآت أساسية هي: كلية المشاة ثم الكتيبة ثم مبنى التدريب الجامعي الذي تحصن فيه جنود النظام في المرحلة الأخيرة من المواجهات. وعن أهمية المدرسة يقول القائد الميداني أبو عبد الرحمن، قائد كتيبة عمر المختار التابعة للواء التوحيد في حديث للجزيرة نت، إن المدرسة في موقعها بمثابة الرئة التي يتنفس منها النظام، والتي كان يقصف منها ريف حلب الشمالي بالكامل، ويفصل الريف عن المدينة مما يحمل الأهالي والثوار على سلوك طريق يزيد بمائتي كيلومتر عن المعتاد. وقد أعلن المقاتلون أكثر من مرة أنهم سيطروا على المدرسة إلا أن جيوبا بدا أن جنود النظام تمركزوا فيها ما فتئت تنغص على الثوار فرحتهم بإعلان السيطرة الكاملة على المدرسة، وتجرهم إلى مواجهات عنيفة مع جنود يائسين من الحياة، أحكم حولهم الخناق من كل صوب. وفي ساعات المعركة الأخيرة قتل قائد عملية الهجوم على المدرسة والمخطط لها قائد أركان لواء التوحيد العقيد يوسف الجادر الملقب بأبي فرات، وهو من دير الزور، كما فقد الثوار 17 مقاتلا سقطوا أثناء الاقتحام وعمليات التطهير. ويضيف أبو عبد الرحمن الذي قاد عمليات الاقتحام أن جيش النظام فقد أكثر من خمسين قتيلا وثلاثين أسيرا، واستولى الثوار على عتاد كثير ومستودعات ملأى، سواء أكانت ذخائر أو أسلحة أو قواذف صاروخية. سير المعركة في اليوم الأول للمواجهات استطاع مقاتلو الجيش الحر السيطرة على مبنى الكلية بعد معارك شرسة. وبفعل النداءات المتكررة منهم لقوات النظام بالانشقاق وترك قتال أهلهم؛ انشق عن قوات النظام المحاصرة أكثر من مائتي جندي بينهم عميدان وثلاثة عقداء وضباط أقل رتبة بينهم نائب مدير المدرسة، أما المدير نفسه فقد فر في اليوم التالي، حسب ما قاله الثوار. ومع احتدام المواجهات التي كان صداها يسمع في الأحياء القريبة من المدرسة، سيطر مقاتلو الجيش الحر على حقل الرمي ومقر الكتيبة وتقهقرت قوات النظام إلى مبنى التدريب الجامعي، وهنا أعلن الجيش الحر سيطرته على المدرسة وهو أمر تبين أنه لم يكن قد اكتمل بعد. فقد ذهبتُ برفقة عناصر من الجيش الحر إلى المدرسة عصر السبت ولم نتمكن من دخولها لتجدد الاشتباكات، إذ كان بحوزة قوات النظام عدد من الدبابات تخوض مواجهة تطمح بها في الفرار من المدرسة والانسحاب إلى أماكن ظنوا أن قوات حكومية ترابط فيها. اشتدت ضراوة المواجهة وزاد من ثقلها على مقاتلي الجيش الحر نقص الذخائر التي يقول بعضهم ممن التقته الجزيرة نت إنها كانت سببا في "استشهاد ثلة من خيرة الشباب حوصروا ولم يصلهم المدد". ومساء السبت بدا جليا أن المعركة أزفت رغم أعمدة الدخان وأصوات القذائف، فقد انتشرت مفارز من الجيش الحر في المناطق المحيطة بالمدرسة بحثا عن فارين من جيش النظام نجحوا في الهرب، وباتت أصوات المقاتلين تسمع عبر اللاسلكي وهي تحدد أماكن دبابات وعربات جند نجحت في الهرب وتحاول الوصول إلى أماكن للجيش لكنها ضلت طريقها. تاه الرتل المكون من عدة آليات في شوارع المنطقة المحيطة بالمدرسة والمحمية من الجيش الحر الذي ناضل لمحاصرتها دون تدميرها وهو ما تم له، ومع أن الطيران الحربي تدخل بالقصف إلا أن أثره حدت منه مضادات تسلح بها المحاصرون وأجبروا سلاح الجو على الخروج من المعركة وإبطال فاعليته. وفي الوقت الذي كان فيه مقاتلو الجيش الحر يحكمون سيطرتهم على المدرسة ويتعقبون الفارين من الجنود -ولا يزالون حتى هذه الساعة من مساء الأحد- كان التلفزيون السوري يقول إن "قوات الجيش الباسلة قامت بعملية نوعية قتلت فيها عشرات الإرهابيين على أسوار مدرسة المشاة"، نافيا ما تنقله "قنوات الدم والفتنة" من سقوط المدرسة بيد الجيش الحر. وقد تسنى للجزيرة نت أن تشهد عملية قبض على سبعة من الفارين أتى بهم مقاتلون يتبعون كتيبة زيد بن حارثة بعد أن عمم خبرهم على الحواجز وهم بلباس مدني ويحملون هويات مدنية، تبين بعد التحقيق معهم أنهم عسكريون فارون تركوا أسلحتهم وذخائرهم عند رجل ضمن لهم أن يهربهم خارج المنطقة المحاصرة. ومما حزّ في نفس المقاتلين أن يكون أعداؤهم الذين يقاتلونهم من أحياء ومناطق ذاقت من ويلات النظام وبراميله المتفجرة أكثر من غيرها، فاثنان منهم كانا من أحياء الخالدية والبياضة في حمص التي يطلق عليها الثوار عاصمة الثورة، واثنان من مدينة المعضمية بريف دمشق. وقبل أن ينقلوا إلى سجن الراعي للتحقيق الرسمي معهم، حلوا ضيوفا على مقاتلي الجيش الحر الذي أكرمهم بإطعامهم، في موقف نادر، ملتزمين بأوامر قائد الكتيبة أبو محمود بإحسان معاملتهم لحين تحويلهم إلى جهة الاختصاص التي ستنظر في أمرهم.