المرحلة التي يعيشها مجتمع ما بعد الثورة المصرية هي مرحلة المراهقة . أقول مرحلة المراهقة بكل ما تحويه الكلمة من معنى. لأننا خرجنا تواً من مرحلة طفولة كانت الممارسة السياسية فيها حكراً على حزب واحد، وكان "أبونا مبارك " ينوب عنا في اختيار من يمثلوننا، وبصفته وريث زعماء العسكر الملهمين كانت حياتنا كلها تدور بتوجيهات سيادة الرئيس. وبفضل ثورة الشعب انتقلنا من مرحلة الطفولة إلى مرحلة المراهقة. يصف علماء النفس مرحلة المراهقة بأنها فترة عواصف نفسية وتوتر وتمرد، وقد تسودها الأزمات النفسية والمعاناة والإحباط والصراع والقلق، وصعوبات في التوافق مع الآخرين. ويشعر المراهق بالضياع لفترة، وتنتهي هذه الفترة بأن يجد نفسه ويعرف طريقه عندما يصل إلى مرحلة النضج. المراهقة مرحلة البحث عن الذات، وتحقيق الذات، ونمو الشخصية وصقلها، وهي مرحلة اكتشاف القيم والمثل العليا، وفيها الكثير من التذبذب والاضطراب والمحاولة والخطأ. ومن الصراعات النفسية التي يعيشها المراهق أنه يسيطر عليه شعور بأنه كبر وفي نفس الوقت يريد أن يظل طفلاً ينعم بالأمن، ويسعى للاستقلال ولكنه مازال يحتاج إلى دعم ومساندة والديه. أرى صفات المراهق هذه تنطبق تماماً على المشهد السياسي المصري، فالمجتمع في مرحلة صراع نفسي وتمرد وقلق، وتقلب من أمل إلى ألم، ومن نجاح لفشل. نجد صعوبات في التواصل بين المختلفين في الرأي، وتسمع لغة متشنجة بين المتحاورين. مجتمع يحاول ان يكتشف طريقه في سبيل النضج، هذا يرى المرجعية الإسلامية هي الحل، وهذا يرى الليبرالية هي الحل. هذا يكتشف القيم والمثل العليا في دينه وتاريخه وهذا يكتشفها في دول يراها قطعت شوطاً كبيراً في سبيل التقدم. مجتمع يريد أن يشعر أنه مستقل معتمد على ذاته محقق لطموحه وآماله، يريد أن يحصل على كل ما يريد في الوقت الذي يريد. ولا يسأل كيف وماذا ينبغي أن أفعل حتى أحقق ما أريد؟ هكذا أرى مجتمع ما بعد الثورة. وأرى أن من يصور هذا المشهد على أنه انقسام, وقد يؤدي إلى حرب أهلية هو مجرم في حق الوطن, ولا أبرأه بحسب النية أبداً.. فنحن نعيش حالة توصيفها الدقيق هو اختلاف الرؤى، وصراع في طريق البحث عن النضج. المشكلة أن علماء النفس يقولون إن مرحلة المراهقة محددة البداية حيث تبدأ بعد مرحلة الطفولة ولكنها غير محددة النهاية لأن نهايتها مرتبطة بمرحلة النضج، وليست مرتبطة بسن معين. أرى في المستقبل القريب سفينة الوطن راسية على شاطئ النضج، وسيتحول الصراع الذي هو من سمات المراهقة، إلى منافسة بين أحزاب ناضجة ذات مرجعية إسلامية، وأحزاب ليبرالية ناضجة . وسيكون التنافس في مصلحة الوطن. وستختفي الوجوه السياسية المراهقة التي تؤجج الصراع, وستتوارى معها لغة الصراع المتشنج السائدة في الميادين نهاراً وفي الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي ليلاً . وشدي حيلك يا بلدي كلها فترة.. والمراهقة تتحول إلى نضج وترجعي " أم الدنيا ".