للسفر سبع فوائد أضيف إليها واحدة جديدة وهي أن تعرف زوجتك قيمتك ودورك في حياتها، مسافر هو بمتاع قليل بحثًا عن مستقبل أفضل أو رزق أوفر على أية حال سيصب ذلك في معين الأسرة وسيتحمل وحده مشقة الاغتراب والوحدة. الزوج في البيت مصدر سلطة، والسلطة بشكل أو بآخر مزعجة وهكذا تتنامى الشكوى وتتضخم العيوب في عيون الزوجة، تتذمر أحيانًا من طلباته وتضيق باختلافاته وهي لا تدري أنه من تناقض طباعهما يأتي تكاملهما وأن الحب الحقيقي لا يعني التماثل والتشابه ولكن معناه اثنين يفرحان للأشياء نفسها ويحزنان في اللحظة نفسها، هاهو اليوم أراحها وسافر! بعد سفر الزوج تقع ساعتها البيولوجية فقد ضبطت مواعيد البيت والطعام والحياة كلها على مواعيده هو، اليوم هي حرة لا مواعيد ولا انتظار، لا أفقر من امرأة لا تنتظر رجلها! بعد سفر الزوج تزهد الخروج والنزهة، كانت من قبل تحب الخروج معه وفي كل مرة تعود بحصيلة من الحكايات والذكريات المشتركة، حتي لو خرجا للتسوق أو إنهاء بعض المعاملات دائمًا هناك مواقف طريفة، أما الخروج وحدها فهو مجرد معاناة، معه كانت حرم الأستاذ الآن هي امرأة وحيدة. بعد سفر الزوج لم تعد تتمادى في دور الأم الرحيمة الذي برعت فيه من قبل، الأولاد يحتاجون حزمًا ولم يعد هناك من تستعين به ويهابونه، يستغرب الأبناء (أمي صوتك عال بلا مبرر وتبدين غاضبة) آه يا أبناء الفيس بوك والثورة والحرية إنها المسئولية. بعد سفر الزوج هي المتصلة دائمًا بالصديقات والأخوات تسترسل في الكلام حتى تسمع على الطرف الآخر صوت تذمر رجالي فتنسحب محرجة وتتذكر الأيام الخوالي حين كان زوجها يعلق (كل دي مكالمة) فترد (هي زوجة وحيدة وتحتاج من يسمعها). بعد سفر الزوج صارت أكثر حرصًا في الإنفاق وأكثر تدقيقًا في جدوى شراء أية مستلزمات جديدة. بعد سفر الزوج أخذت تعيد تفكيرها في ذكرياتهما معًا وكلما ابتعدت عن الصورة زادت أمامها وضوحًا وكان أهم اكتشاف أن كل ما كانت تظنه قيودًا وحدودًا هو في الحقيقة روابط حريرية تربطهما معًا وقواعد ثابتة تضرب جذورهما في قلب الواقع. بعد سفر الزوج اكتشفت الزوجة أن دورها السابق (كمعارضة) أسهل كثيرًا وأكثر متعة، فما أيسر أن تستمع لزوجها ثم تسديه النصائح أو تقيم الموقف، كان لديها دائمًا رؤية مختلفة: (كان من الأفضل أن تقول كذا أو تفعل كذا) أو (لماذا قلت ولماذا فعلت؟) كانت يدها في الماء. بعد سفر الزوج أصبحت هي (الحكومة) ويدها أصبحت في النار، اليوم هي لا تطيق من يقول لها هذه الاقتراحات وتلك الإضافات، تتمني لو صرخت في وجهه (دعني وشأني). بعد سفر الزوج صارت يدًا واحدة لا تصفق، وصوتًا في فلاة لا صدي له ولا مجيب، ونصف الدنيا فقط بعد أن كانت الدنيا كلها.